فصل: فصل تشريح المثانة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **


  فصل تشريح الحنجرة والقصبة والرئة

إن الشيخ رتب الكلام في التشريح مبتدئاً من تشريح الأعضاء التي هي في أعلى البدن‏.‏

ومنتقلاً إلى ما هو أسفل من تلك الأعضاء حتى ينتهي إلى الرجلين‏.‏

وكانت الأعضاء المؤلفة التي تحت الرأس من باطن هي هذه الأعضاء وجب أن يأخذ في تشريحها بعد الكلام في تشريح الرأس وما يتصل به من الأعضاء وإنما جمع الكلام في تشريح هذه الأعضاء في فصل واحد لأن معرفة هيئة كل منها يستدعي معرفة هيئة الآخر‏.‏ ونحن نجعل كلامنا في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث‏:‏

  البحث الأول تشريح قصبة الرئة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الشرح قد علمت أن في الحلق مجريين وهما مجرى الغذاء ومجرى النسيم ومجرى النسيم أشرف لا محالة من مجرى الغذاء والخطر في الأمور الضارة به أعظم وذلك لأن الانقطاع عن الغذاء لآفة في مجراه ونحو ذلك قد يبقى الحياة معه مدة ولا بعض ساعة فلذلك مجرى النسيم أشرف كثيراً من مجرى الغذاء ومقتضى القياس أن يكون الأشرف محروساً بالأحسن ويتوقى به ويلزم ذلك أن يكون مجرى الغذاء من قدام ليكون وقاية لمجرى النسيم‏.‏

فما السبب في مخالفة هذا الأمر وجعل مجرى النسيم وهو قصبة الرئة والحنجرة من قدام السبب في ذلك أمور‏:‏ أحدها‏:‏ أن مجرى النسيم يحتاج أن يتصل بالرئة في وسط ما بين جانبيها وخلفها وأمامها ليكون نفوذ النسيم إلى أجزاء الرئة على الوجه العدل وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا المجرى مائلاً إلى قدام بقدر صالح وذلك مما لا يحتاج إليه مجرى الغذاء‏.‏

وثانيها‏:‏ أن كل موضع هو أميل إلى باطن البدن فهو أشد سخونة مما هو أميل إلى ظاهره فإن المائل إلى الظاهر يبرد لا محالة بملاقاة الهواء الخارجي أو ما يقارب ملاقاته ولا كذلك المائل إلى داخل البدن فلو كان مجرى النسيم خلف مجرى الغذاء لكان مائلاً إلى داخل البدن فكان النسيم الداخل فيه يسخن قبل نفوذه إلى القلب فتبطل فائدته في التطفئة أو يقل ولا كذلك إذا وثالثها‏:‏ أن أعلى العنق ليس يتسع بأن يكون مجرى الغذاء ومجرى النسيم دائماً مفتوحين واسعين فلا بد من أن يكون في أعلى العنق أحد هذين المجريين يحتاج عند انفتاحه إلى تضيق الآخر وذلك بأن يكون انفتاحه عند انطباق الآخر فإن هذا المكان غير متسع لانفتاحهما معاً في وقت واحد وإذا كان كذلك وجب أن يكون مجرى النسيم من قدام ولكن حاجة هذا المجرى إلى الانفتاح هو في أو قات متقاربة جداً بخلاف مجرى الغذاء فإنه إنما احتاج إلى الانفتاح عند ازدراد الطعام وذلك إنما يكون في أو قات متباعدة فلذلك كانت حاجة مجرى النسيم إلى الانفتاح أكثر كثيراً من حاجة مجرى الغذاء فلذلك يجب أن يكون مجرى النسيم من قدام لأن المجرى المقدم أسهل انفتاحاً من المؤخر لأن المقدم لا عائق له عن الانفتاح إلا من ورائه فقط إذ لا مزاحم له في باقي الجهات ولا كذلك المجرى المؤخر فإنه يكون نحيف بالأعضاء وهي لا محالة مزاحمة معاوقة عن الانفتاح فلذلك يكون انقتاح المجرى الداخل أعسر فلذلك وجب أن يكون مجرى النسيم يحتاج من قدام لأنه أشد حاجة إلى كثرة الانفتاح وإنما يسهل ذلك إذا كان موضوعاً من قدام‏.‏

ورابعها‏:‏ أن مجرى النسيم يحتاج أن يكون صلباً ليمكن حدوث الصوت بانقراعه بالهواء الخارج منه بقوة ولا كذلك مجرى الغذاء فإن اللين أو فق له ليمكن أن يتشكل تجويفه المزدرد وإذا كان كذلك وجب أن يكون مجرى النسيم من قدام لأنه لأجل صلابته يقل انفعاله عن المصادمات ونحوها‏.‏

وخامسها‏:‏ أن مجرى النسيم يحتاج أن يكون في أعلى الحنجرة و هي تحتاج أن يكون تجويفها متسعاً لما نقوله بعد‏.‏

وأعلى العنق ضيق فواجب أن يكون مجرى النسيم من قدام ليتمكن أعلى العنق أن يتمدد إلى قدام ويبرز عن مسامته باقي أجزاء العنق ولا يمكن ذلك إذا كان هذا المجرى من خلف لأن مجرى الغذاء كان يعاوق عن هذا البروز قوله‏:‏ دوائر وأجزاء دوائر‏.‏

أما أسافل القصبة فإنها دوائر تامة ليكون ما يحتوي عليه من التجويف أو سع وأما أجزاء الدوائر فإنها إنما تكون في أعالي هذه القصبة وذلك لأن هذه القصبة هناك تلاقي المريء ويضيق المكان عن تجويفي هذه القصبة مع تجويف المريء فلذلك يحتاج أن يجعل التجويفان في تجويف واحد فيكون عند ازدراد اللقمة واحتاج المريء إلى الاتساع لها يستعين المريء بتجويف هذه القصبة فيتمدد جرم المريء من قدام حتى يلاقي داخل محيط هذه القصبة من قدام‏.‏

وإذا دخل النسيم المستنشق في تجويف هذه القصبة واحتيج إلى اتساعها له تمدد جرمها من خلف ودخل في بعض تجويف المريء وإنما يمكن ذلك إذا كان ما بين تجويف المريء وتجويف هذه القصبة جرماً شديداً لقبول التمدد وإنما يكون ذلك إذا كان غشاء فلذلك لا يمكن أن يكون غضروفياً فإن الغضاريف لا يسهل قبولها لهذا التمدد‏.‏ فلذلك مؤخر هذه القصبة هناك لا يكون غضروفياً بل غشائياً‏.‏ ويلزم ذلك أن لا تكون الدوائر الغضروفية هناك تامة‏.‏

وينبغي أن يكون هناك أنصاف دوائر لأنها لو كانت أقل أو أكثر من أنصاف دوائر لم يكن ما يستعينه المريء من تجويف هذه القصبة حينئذٍ عظيماً فلم يمكن أن يتسع اتساعاً كثيراً ثم لو كانت أكثر من أنصاف دوائر لكانت تضيق المكان على المريء كثيراً وأما أسافل هذه القصبة وعند قرب الرئة فإن تأليفها هناك يكون من دوائر تامة وذلك لأن هذه القصبة في أسافلها تنحرف كثيراً عن المريء إلى قدام والمريء ينحرف إلى خلف أما انحراف أسافل هذه القصبة إلى قدام فلأنها تتوجه بذلك إلى وسط جهات أعلى الرئة ليتصل بها في ذلك الوسط لتكون قسمة النسيم على جميع أجزاء الرئة قسمة عادلة‏.‏

وأما انحراف المحاذي لذلك من المريء إلى خلف فلأنه يتوجه بذلك إلى الاتكاء على عظام الصلب وهي أن أسافل العنق يأخذ في الميل إلى خلف ليتوسع ما بين مؤخر الصدر ومقدمه فيكون مكان القلب والرئة متسعاً‏.‏

قوله‏:‏ ويجري على جميع ذلك من الباطن غشاء أملس إلى اليبس والصلابة ما هو أكثر الأعضاء التي يجب فيها أن يكون الأمر بعكس ذلك فيكون باطنها أشد صلابة من ظاهرها وسبب ذلك أمور‏:‏ أحدها أن هذا الغشاء يحتاج فيه أن يكون قليل الانفعال وإنما يكون كذلك إذا كان قوي الجرم وإنما يكون كذلك إذا كان صلباً وإنما يكون كذلك إذا كان يابساً‏.‏

وإنما احتيج أن يكون قليل القبول للانفعال ليكون صبوراً على ملاقاة ما ينزل في هذه القصبة من المواد الحادة التي تنزل من الدماغ وسبب حدة هذه النوازل إما شدة عفونة المادة أو كثرة مخالطة المواد لها فإن فضول الدماغ يجب أن يكثر فيها المرار لكن المادة الواصلة إليه لتغذيته لا بد من أن تكون كثيرة المرار وإلا لم يسهل تصعدها إلى الدماغ واغتذاء الدماغ إنما هو بالأجزاء الرطبة الباردة من تلك المادة ولذلك تبقى المواد الحادة المخالطة لما يفضل عن غذائه كثيرة جداً‏.‏

فلذلك كثيراً ما تكون النوازل من الدماغ حادة جداً ومن جملة النوازل ما ينزل إلى تجويف هذه القصبة‏.‏

وثانيها‏:‏ أن هذا الغشاء يحتاج أن يكون إلى صلابة ليقل تضرره لما يتصعد فيه من الدخانية التي تخرج مع الهواء المتردد في التنفس وليقل أيضاً قبوله لتمديد النسيم الكثير الداخل فيه فلا يعرض له من انشقاق ونحوه عندما يعرض حين اشتعال القلب في الحميات المحرقة وغيرها من جذب هواء كثير للتنفس‏.‏

وثالثها‏:‏ ليكون الصوت الحادث بقرع الهواء الخارج بقوة قوياً فإن قوة الصوت بقرع الأشياء الصلبة أكثر من قوته بقرع الأشياء اللينة‏.‏

قوله‏:‏ وكذلك أيضاً من ظاهره وعلى رأسه الفوقاني الذي يلي لفم الحنجرة قد بينا السبب في صلابة الغشاء الباطن من غشاءي القصبة‏.‏

وأما السبب في صلابة الغشاء الظاهر عند آخر هذه القصبة من فوق وذلك حيث يلي الحنجرة من أسفلها فذلك لأن هذا الموضع فيه لسان المزمار وهو كثير الضيق فاحتيج إلى هذا الضيق لينحصر عنده الهواء النافذ من أسفل هذه القصبة إلى أعلاها بقوة وهو الهواء الذي يتزايد به الصوت ويلزم ذلك أن يكون عند خروجه من هذا الموضع إلى فضاء الحنجرة بقوة ويلزم ذلك شدة قرعه لجرمها وسبب هذا الانحصار أن باقي هذه القصبة كثير السعة فيكون الهواء الخارج فيه بقدر تجويفها فإذا بلغ هذا الموضع صادف هناك الضيق ولم يتسع لذلك الهواء وانحصر فيه وما يصعد بعده يدفعه للخروج وإذا خرج من ذلك الموضع صادف تجويفاً متسعاً وهو تجويف الحنجرة ومن شأن ما ينفذ من سعة إلى مضيق ومن ذلك المضيق إلى سعة أن يكون نفوذه في ذلك المضيق اشد وأقوى كما تبين في العلوم الأصلية فلذلك يكون قرع هذا الهواء لجرم الحنجرة بقوة قوية ويلزم من ذلك قوة الصوت وإنما سمي هذا لسان المزمار لأنه يشبه ما يسمى في المزمار لساناً وهو الموضع المستدق الذي ولما كان هذا الموضع ضيقاً بالنسبة إلى باقي قصبة الرئة فالهواء الواصل إليه من القصبة لا بد وأن يشتد تمديده لجرمه طلباً لتوسيع المكان له فلو لم يكن الغشاء الخارج في ذلك الموضع الملبس عليه من خارج صلباً قوياً يقوى ذلك الهواء على توسيعه بقوة تمديده له فتبطل لذلك فائدته أو تنقص فلذلك احتيج أن يكون الغشاء الخارج في ذلك الموضع شديد الصلابة بالنسبة إلى باقي الغشاء الخارج الذي لهذه القصبة‏.‏

قوله‏:‏ وأما ضيق فوهاتها فليكون بقدر ينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدية إلى القلب فإن فوهات شعب قصب الرئة تتصل بفوهات شعبة الشرايين والتي فيها ليتصل منها النسيم إلى القلب ولا ينفذ إليها دم وعدم نفوذ الدم الذي ينبث في الرئة ليخالط الهواء ويحدث من مجموعهما ما يستعد لأن يصير في القلب روحاً لأجل ضيق فوهات هذه الغضاريف المتفرقة في هذه الرئة فإن هذا الدم بغاية الرقة وهو لا ينفذ في فوهات هذه ومع ذلك ينفذ الدم الغليظ المنفصل من الرئة بسبب جراحة تحدث لها ونحو ذلك ولذلك تنفذ فيها المدة والبلغم الغليظ الخارج بالنفث ولو كان الضيق هو المانع من نفوذ ذلك الدم فيها لكان امتناع نفوذ الدم الغليظ والمدة والبلغم بطريق الأولى بل السبب في نفوذ هذه وتعذر ذلك الدم هو أن الرئة من شأنها التمسك بذلك الدم الرقيق ليجعله مع الهواء الذي فيها مستعداً لأن يصير في القلب روحاً وهذا التمسك يمنع ذلك الدم من النفوذ في تلك الأفواه وكذلك الدم الذي تغتذي به الرئة وأما الدم الغليظ الخارج من الجراحة ونحوها فإن الرئة تدفعه عنها ولا تمسكه لئلا تفسد المادة التي تعدها لأن تصير روحاً فلذلك يضطر إلى النفوذ في أفواه تلك الغضاريف إذا لا منفذ له في الرئة سوى تلك الأفواه إلا في الأوردة والشرايين ولو نفذ في هذه لكان اندفاعه يكون إلى القلب فيكون ضرر ذلك عظيماً جداً وكذلك الحال في البلغم الغليظ والمدة ونحو ذلك فإن الرئة جعلت بالطبع تدفع فضولها إلى هذه الغضاريف ليخرج بالنفث فإنها إذا لم تندفع من هناك وجب نفوذها إلى القلب وفي ذلك من شدة الضرر ما لا يخفى فلذلك جعلت عروق الرئة سهلة الإنصداع ولذلك يكثر بالناس حدوث نفث الدم مع أنه شديد الخطر ينتقل كثيراً إلى السل وما ذلك إلا ليكون الدم مهما كثر في الرئة وضربها دفعته إلى تلك الغضاريف وإنما يكون ذلك بانصداع أو عيته ولولا ذلك لكان ينفذ إلى القلب فيشتد بذلك تضرر القلب والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني تشريح الحنجرة

أما الحنجرة فإنها آلة‏.‏

إلى قوله‏:‏ وقد ذكرنا تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها في كتابنا الأول‏.‏

الشرح أما غضاريف الحنجرة وعضلاتها وأغشيتها وكيفية اتساعها تارة وضيقها أخرى وانفتاحها تارة وانسدادها أخرى فكل ذلك قد فرغ منه عند الكلام في تشريح العضل‏.‏

قوله‏:‏ وقد يقابله من الحنك جوهر مثل الزائدة التي ينسد بها رأس المزمار هذا الجوهر هو اللهاة فإنها مدلاة فوق فم الحنجرة لتفيد في تقرير الصوت وتعديده ولينه‏.‏

قوله‏:‏ إذا هم المريء بالازدراد ومال إلى أسفل لجذب اللقمة انطبقت الحنجرة وارتفعت إلى فوق‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ أن كل جسمين أحدهما مشدود بالآخر فإنهما لا محالة بسبب ذلك الشد يتلازمان فمتى تسفل أحدهما تسفل الآخر وكذلك متى ارتفع أحدهما ارتفع الآخر‏.‏

وكذلك إلى أي جهة مال إليها أحدهما فلا بد من ميل الآخر معه إلى تلك الجهة وإذا كان كذلك فكيف إذا مال المريء إلى أسفل ترتفع الحنجرة إلى فوق مع أن شد أحدهما إلى الآخر شداً وثيقاً‏.‏

قلنا‏:‏ هذا يمكن بأن يكون انسداد المجرى بالحنجرة ليس بأن يكون جرم أحدهما مربوطاً بما يحاذيه من جرم الآخر فإنه لو كان كذلك لكان تسفل المريء يلزمه تسفل القصبة والحنجرة بل بأن يكون الليف الممتد في طول المريء أو عند أعلاه نافذاً من عند أعلى المريء وسالكاً إلى أسفل الحنجرة وبعض القصبة ماراً في سلوكه على موضع أعلى فلذلك إذا تحرك المريء إلى أسفل لأجل بلع اللقمة انجذب ذلك الليف معه إلى أسفل من جهة أعلى المريء وأعلى الحنجرة وذلك عند قرب ظاهر الحلق من أسفل ويلزم ذلك انجذاب طرف ذلك الليف أعني الطرف الذي به يتصل بأسفل الحنجرة وبأسفل القصبة وإنما يمكن هذا الانجذاب بأن يرتفع إلى جهة ظاهر الحلق ويلزم ذلك انجذاب أسفل الحنجرة وأجزاء من القصبة إلى فوق فلذلك ترتفع الحنجرة والقصبة عند تسفل المريء لأجل الازدراد ويلزم هذا الانجذاب تمدد الحنجرة والقصبة في الطول ويلزم ذلك ضيقها وانطباقها ويلزم ذلك امتناع التنفس فلذلك الازدراد لا يجامع التنفس البتة‏.‏ وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث تشريح الرئة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الرئة فإنها مؤلفة من أجزاء‏.‏

إلى قوله‏:‏ وهو شديد التعلق به والالتحام‏.‏

الشرح أما حاجة الرئة إلى الوريد الشرياني فلأن ينقل إليها الدم الذي قد لطف وسخن في القلب ليختلط ما يترشح من ذلك الدم من مسام فروع هذا العرق في خلل الرئة بالهواء الذي في خللها ويمتزج به من الجملة ما يصلح لأن يكون روحاً إذا حصل ذلك المجموع في التجويف الأيسر من القلب وذلك باتصال الشريان الوريدي لذلك المجموع إلى هذا التجويف وأما ما يبقى من ذلك الدم فيكون في داخل فروع هذا الوريد الشرياني وينفذ من فوهاتها إلى جرم الرئة فإن يكون أغلظ من ذلك الدم الذي يرشح وأكثر مائية فلذلك يصلح لغذاء الرئة فلذلك هذا الوريد الشرياني مع أنه يوصل إلى الرئة غذاءها يوصل إليها الدم الشديد الرقة الصالح لأن يصير منه ومن جرم الهواء مما يمد الروح الحيواني وأما حاجة الرئة إلى الشريان الوريدي فإنه ينفذ فيه هذا الهواء المخالط لذلك الدم ليوصله إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب فيصير ذلك المجموع روحاً وأنه ينفذ فيه ما فضل في هذا التجويف من ذلك المجموع فلم يصلح لأن يتكون منه روح وما فضل فيه من الهواء الذي سخن وبطلت فائدته في تعديل الروح والقلب واحتيج إلى إخراجه ليتسع المكان لما يدخل بعده من الهواء إما وحده وإما مخالطاً للأجزاء الدموية الشديدة اللطافة وليوصل ذلك إلى الرئة فيخرجه عند ردها النفس وأما حاجة الرئة إلى جرم الرئة من الهواء المجذوب في القصبة ولأن يخرج ما يفضل في الرئة من ذلك الهواء وما يفضل فيها من الرطوبات والدم ونحو ذلك فيخرج بالسعال نفثاً‏.‏

وأما حاجة الرئة إلى اللحم فلأن يملأ الخلل الواقع بين هذه الأعضاء ويكون من جملة ذلك عضو واحد واحتيج أن يكون لحماً ليكون قريباً من الاعتدال بخلاف الشحم والسمين ونحوهما واحتيج أن يكون هذا اللحم رخواً لئلا يمانع عن سهولة انبساط الرئة وانقباضها الذين لا بد منهما في التنفس وإنما يكون اللحم رخواً إذا كان كثير الرطوبة وإنما يكون كذلك إذا كانت المائية فيه كثيرة‏.‏

وإنما يكون كذلك إذا كان غذاء الرئة من دم مائي وكذلك فإن الدم الواصل إلى القلب لا بد وأن يكون كثير المائية واللطيف منه الهوائي يصير روحاً والقلب إنما يغتذي بالمتين الكثير الأرضية فلذلك تبقى المائية لغذاء الرئة فلذلك قول من قال‏:‏ إن غذاء الرئة بدم صفراوي مما لا صحة له البتة وكذلك تحتاج الرئة أن يكون لحمها متخلخلاً وذلك ليكون كثير المسام واسعها والغرض بذلك أن تمتلئ الفرج التي في جرمها هواء فتعدل بذلك الهواء ويخرج مما يرشح إلى جرمها من الدم اللطيف الهوائي الذي لا يصلح لغذاء الرئة ولكنه يصلح لأن يخالط ذلك الهواء يحدث من مجموعهما جرم يصلح لأن يستحيل في القلب دماً ولما كان بين جانبي الإنسان أكثر كثيراً مما بين خلفه وقدامه خاصة في صدره وجب أن تكون الرئة مقسومة بقسمين أحدهما يذهب يميناً والآخر يذهب شمالاً ليكون ملؤها للجانبين وانقسامهما فيهما على السواء فلذلك يجب أن يكون هذان القسمان لفضاء الصدر وليس في اليمين هذا أيضاً لا يصح‏.‏

وذلك لأن ميل القلب إلى الشمل إنما هو عند رأسه المستدق وذلك يسير جداً ومع ذلك فإن هذا الميل هو في أسافل الصدر وانقسام الجانب الأيمن من الرئة إلى الأقسام الثلاثة هو في أعالي الرئة فلا يكون القسم الخامس الذي يراد به الجانب الأيمن على اليسر واقعاً في الموضع الذي أخلاه القلب بانحرافه إلى الجانب الأيسر‏.‏

قوله‏:‏ والصدر مقسوم إلى تجويفين بلا شك بأن الصدر يغشيه من داخل غشاء وهو في الحقيقة غشاءان أحدهما في يمين الصدر والآخر في يساره وإذا التقى طرف كل واحد منهما بطرف الآخر من قدام ومن خلف افترقا بعد ذلك فيمر الأيمن في الجانب الأيمن و يلقى الوسط إلى أن يتصل بطرفه الآخر المقابل لذلك الطرف‏.‏

وكذلك يمر الأيسر في الجانب الأيسر ويلقى الوسط ونفوذ كل واحد منهما في جانبه ليس على الاستقامة فإنهما جميعاً ينتحيان عن موضع القلب وغلافه فلا يمر واحد منهما بجرم القلب وإلا كان يخرقه فلذلك يبقى القلب وغلافه بين هذين الغشاءين فينقسم الصدر بذلك بنصفين والقاسم له غشاءان يفترقان عند موضع القلب ويتلاقيان في غير ذلك الموضع‏.‏

قوله‏:‏ وفي الحجاب ثقبان الكبير منهما منفذ للمريء والشريان الكبير والأصغر ينفذ فيه الوريد المسمى الأبهر‏.‏

هذا الكلام لست أفهمه فإن الشريان ليس يحتاج في نفوذه إلى خرق الحجاب أما الصاعد فلأنه فوق الحجاب ليس يجذبه البتة‏.‏

وأما النازل فلأنه إنما يمر بالحجاب عند أسفله وذلك عند الفقرة الثانية عشرة من فقار الظهر‏.‏

وفي آخر فقار الظهر وهو هناك لا يخرق الحجاب بل يمر وراءه لأنه يمر متوكئاً على عظام الصلب‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح القلب

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما القلب فإنه مخلوق‏.‏

إلى قوله‏:‏ وإن كان أشبه الأعضاء بها لكن تحركها غير إرادي‏.‏

الشرح إن فعل القلب كما بيناه أو لاً‏:‏ أن يولد الروح الحيواني ويوزعه على الأعضاء لتحيا وتوليده ذلك بأن يسخن الدم ويلطفه حتى إذا خالطه بما في الرئة من الهواء صلح ذلك المجموع لأن يصير روحاً حيوانياً‏.‏

وذلك إذا حصل في القلب فلا بد من أن يكون له تجويف يحوي الدم الذي يحتاج إلى تسخينه وذلك بما يحدث فيه من الغليان الذي يلزمه تخلخل الجرم وانبساطه فلذلك لا يكفي في ذلك أن يكون ذلك الدم محوياً في العروق لأن العروق لا تتسع لهذا الانبساط الذي يحتاج إليه لأجل ترقق القوام جداً فلا بد من أن يكون له تجويف آخر يحوي الروح الحيواني ومنه ينفذ في الشرايين إلى جميع الأعضاء وهذه الروح لا بد من أن تكون شديدة اللطافة هوائية فهي لا محالة مستعدة لسرعة التخلخل فلا بد من أن يكون القلب يمدها كل وقت بالغذاء وغذاؤها لا بد من أن يكون هوائياً يغلب على جوهره الجوهر الهوائي وإنما يمكن ذلك بمخالطة الأجزاء اللطيفة جداً الدموية لجوهر كثير هوائي وامتزاج ذلك المجموع وانطباخه حتى يستعد لأن يصير في القلب روحاً‏.‏

وهذا الانطباخ والامتزاج لا يمكن أن يكون أو لاً في القلب فاستبين أن القلب دائماً في انبساط وانقباض وذلك ينافي بقاء ذلك الجرم فبه مدة في مثلها تمتزج وتنطبخ فلا بد من أن يكون ابتداء هذا الانطباخ والامتزاج في عضو آخر حتى إذا حصل له الاستعداد الذي به يقرب من طبيعة الروح نفذ إلى التجويف المملوء من الروح الذي في القلب فاستحال في ذلك التجويف إلى مشابة تلك الروح وكان منه اغتذاؤها وهذا العضو الذي يفيد هذا الاستعداد لا بد من أن يكون مشتملاً على هواء كثير يخالطه ما يلطفه القلب من الدم حتى يصير من مجموع ذلك مادة تصلح لتغذية هذا الروح فلا بد من أن يكون بالقرب من القلب فإنه لو كان بعيداً عنه لقد كان الرقيق من الدم النافذ إليه من القلب قد يبرد في المسافة الطويلة ويكثف فتبطل لذلك لطافته وكان لم ينفذ من ذلك العضو من الهواء الخارج لتلك الأجزاء الدموية الذي استعد لتغذية الروح إلى أن يصل إلى القلب ويبرد ويفارقه ذلك الاستعداد فلذلك لا بد من أن يكون هذا العضو الذي يستعد فيه هذا المجموع لتغذية الروح مع كثرة الهواء فيه هو أيضاً بقرب القلب وذلك العضو هو الرئة فلذلك لا بد من أن يكون اغتذاء الروح الذي في القلب بأن يلطف الدم في القلب ويرق قوامه جداً ثم بعد ذلك ينفذ في الرئة ويخالطه ما فيها من الهواء وينطبخ فيها حتى يتعدل ويصلح لتغذية الروح ثم بعد ذلك ينفذ إلى الروح الذي في القلب ويختلط به ويغذوه وهذا الموضع الذي هو في القلب وفيه الروح لا بد من أن يكون متسعاً ليتسع بمقدار كفاية البدن كله من الروح فلذلك لا بد من اشتمال القلب على تجويف مجرى الدم ويتلطف فيه ذلك الدم وتجويف آخر يحوي الروح ومن ذلك التجويف ينفذ الروح إلى جميع الأعضاء ولا بد من أن يكون التجويف الذي فيه الدم بالقرب من الكبد الذي فيه يتكون الدم وذلك بأن يكون في الجانب الأيمن من القلب فإن موضع الكبد هو في الجانب الأيمن من البدن فلا بد من أن يكون التجويف الحاوي للروح هو في الجانب الأيسر من القلب ويجب أن يكون هذا التجويف الأيسر أكثر سعة من التجويف الأيمن لأن الدم الذي يخالط الهواء ويمتزج فيه يكفي فيه أن يكون قليل المقدار جداً لأن الغالب على هذا الروح يجب أن يكون هو الهواء نفسه فلذلك هذا الدم الذي يحتاج إلى تلطيفه في القلب لا يحتاج فيه أن يكون كثيراً جداً وأما الروح الذي في الجانب الأيسر فإنه يجب أن يكون كثيراً جداً ليفي بالانتشار في جميع الأعضاء فلذلك يحتاج أن يكون مكانه كثير السعة فلا بد من أن يكون هذا التجويف مع سعته عميقاً‏.‏

ويلزم ذلك أن يكون القلب طويلاً ليتسع لعمق هذين التجويفين ولا بد من أن يكون فيه موضع كثير السعة ليتسع لهذين التجويفين ويجب أن يكون هذا الموضع الكثير السعة من القلب هو في أعلاه ليكون كل واحد من التجويفين بقرب الرئة فيسرع إليها وصول الدم الذي قد تلطف في التجويف الأيمن ويسرع إلى القلب نفوذ ما استعد في الرئة لتغذية الروح لينفذ بسرعة إلى التجويف الأيسر فلذلك يجب أن يكون أو سع موضع في القلب هو في أعلاه وأما أسفله فيجب أن يكون رقيقاً لفقدان هذين التجويفين هناك‏.‏

ولأن الغلظ هناك فضل غير محتاج إيه ومع ذلك يضيق المكان على الأعضاء التي لا بد منها هناك‏.‏

ولأن الغلظ هناك فضل غير محتاج إليه ومع ذلك يضيق المكان على الأعضاء التي لا بد منها هناك ويجب أن يكون الانتقال من سعة أعلى القلب وغلظ جرمه إلى رقة أسفله بتدريج كتدريج البطن الأيسر في سعة أعلاه إلى ضيق أسفله فلذلك يكون شكل القلب صنوبرياً‏.‏

قوله‏:‏ مخلوق من لحم قوي الغالب على جرم القلب يجب أن يكون هو اللحم لأنه يحتاج أن يكون شديد الحرارة ليقوى على تلطيف الدم التلطيف المحتاج إليه فيما ذكرناه فلذلك يجب أن يكون الغالب على جرمه الجوهر اللحمي فإن ما سوى اللحم من الأعضاء فإن مزاجه بارد ويجب أن يكون هذا اللحم صلبا ليكون جرم القلب غير شديد القبول للانفعال من الواردات وإنما يكون اللحم صلباً إذا كانت الأرضية في جرمه كثيرة‏.‏

ويلزم ذلك أن يميل لو نه عن لو ن اللحم الذي هو الحمرة إلى السواد يوجبه كثرة الأرضية في جرمه كثيرة ويلزم أن يميل لو نه عن لو ن اللحم الذي هو الحمرة إلى السواد توحيه كثرة الأرضية‏.‏

وقد علمت أن الحق الذي ذهبنا إليه هو أن حركات القلب في انبساطه وانقباضه حركات إرادية وأن الحركات التي بالليف الجاذب الطولي والدافع العرضي والماسك المؤرب كلها حركات إرادية فلذلك أصناف الليف الذي فيه كلها حركات إرادية وإنما كثر فيه الليف ليزداد جرمه صلابة‏.‏

قوله‏:‏ دقق منه الطرف الآخر كالمجموع إلى نقطة ليكون ما يبتلى بمماسة العظام أقل أجزائه‏.‏

إن هذا الكلام مما لا يصح‏.‏

وذلك لأن أسفل القلب ليس البتة عنده عظم يلاقيه لأن القلب موضوع في وسط الصدر وليس هناك البتة عظم وإنما العظام في محيط الصدر لا عند عظم يلاقيه لكان يلاقيه دائماً وإنما كان أسفل القلب دائماً ممتلئاً والتألم والتضرر بملاقاته وذلك لا محالة مضعف لقوته‏.‏

قوله‏:‏ كالأساس يشبه الغضروف في أصل القلب جرم أصلب من غيره من أجزاء القلب وتبلغ صلابته في بعض الحيوانات خاصة العظيم الجثة إلى أن يكون ذلك الجرم غليظاً وفائدة هذا الجرم فيما أظن أن يتصل به الجوهر الرباطي فإن الأربطة كما عرفته قبل جميعها يتصل بعظام قريبة قوله‏:‏ وفيه ثلاث بطون‏.‏

هذا الكلام لا يصح‏.‏ فإن القلب فيه بطنان فقط‏.‏

أحدهما مملوء بالدم وهو الأيمن والآخر مملوء بالروح وهو الأيسر‏.‏ ولا منفذ بين هذين المنفذين البتة‏.‏ وإلا كان الدم ينتقل إلى موضع الروح فيفسد جوهرها‏.‏ والتشريح يكذب ما قالوه‏.‏

فالحاجز بين البطنين أشد كثافة منه غيره لئلا ينفذ منه شيء من الدم أو من الروح فيضيع‏.‏

فلذلك قول من قال‏:‏ إن ذلك الموضع كثير التخلخل باطل والذي أو جب له ذلك ظنه أن الدم الذي في البطن الأيسر إنما ينفذ إليه من البطن الأيمن من هذا التخلخل وذلك باطل فإن نفوذ الدم إلى البطن الأيسر إنما هو من الرئة بعد تسخنه وتصعده من البطن الأيمن كما قررناه أو لاً‏.‏

قوله‏:‏ ليكون له مستودع غذاء يتغذى به كثيف قوي يشاكل جوهره ومعدن يتولد فيه عن دم لطيف ومجرى بينهما‏.‏ غرضه بهذه الدلالة على ثبوت البطون الثلاثة التي ظن ثبوتها وإنما هي بطنان فقط كما قررناه‏.‏

وجعله للدم الذي في البطن الأيمن منه يغتذي القلب لا يصح البتة‏.‏

فإن غذاء القلب إنما هو الدم المنبث فيه من العروق المنبثة في جرمه ولو كان القلب يغتذي من ذلك لكان يميله إلى مشابهة جوهره فكان يميله إلى الغلظ والأرضية وليس ذلك الدم كذلك إذ هو أرق من غيره من الدماء التي عند الأعضاء بل فائدة ذلك الدم أن يتلطف فيه ويرق قوامه جداً ويتصعد إلى الرئة ويخالط الهواء الذي فيها وينفذ بعد ذلك في الشريان الوريدي إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب فيكون من ذلك المجموع الروح الحيواني‏.‏

قوله‏:‏ وذلك المجرى يتسع عند تعرض القلب وينضم عند تطوله‏.‏

إن هذا الذي يدعي وجوده ويسميه بطناً أو سط قد بينا أن لا وجود له فضلاً عن أن يكون حاله يختلف في الاستعراض والانضمام بحسب ما يدعى من تعرض القلب وتطوله فإن الحركة التي يعتبر فيها للقلب إنما حركة الانبساط والانقباض وأما التطول والاستعراض فمما لا أعتقد له وجوداً‏.‏

قوله‏:‏ وقاعدة الأيسر أرفع وقاعدة البطن الأيمن أنزل بكثير بسبب ذلك أن رأس القلب وهو طرفه الدقيق مائل إلى الجانب الأيسر كما بيناه‏.‏ ويلزم من ذلك أن يكون أعلاه على الصفة المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ بانبساط فيجذب الدم إلى داخله كما يجتذب الهواء‏.‏

المشهور أن البطن الأيمن من القلب له أيضاً انبساط وانقباض فإنه يجذب الدم بانبساط كما وهذا عندنا من الخرافات‏.‏

فإن الجذب بالانبساط والانقباض إنما يكون لما لطف من الأجسام والدم ليس كذلك فإن الجسم الكثيف إنما يجذب بسبب الخلاء الحادث بالانبساط إذا لم يوجد جسم ألطف منه ينجذب بذلك فإن الخلاء إنما يجذب ما لطف ثم ما كثف إذا أعوز اللطيف والدم يكفي في انجذابه إلى القلب ما فيه من القوة الجاذبة الطبيعية كما في غيره من الأعضاء وانبساط البطن الأيسر وانقباضه كما نبين في غير هذا الموضع إنما هو لأجل تعديل الروح بالنسيم ودفع فضولها وتغذية الروح بما ينجذب من النسيم المخالط للطيف الدم‏.‏

وهذا كله مما لا يتحقق في البطن الأيمن فلذلك هو والله أعلم غير متحرك البتة‏.‏

قوله‏:‏ وقد أخطأ من ظن أن القلب عضلة وإن كان أشبه الأشياء بها لكن بحركة غير إرادي‏.‏

قد بينا في مواضع كثيرة أن حركة القلب في انبساطه وانقباضه حركة إرادية وإن كنا لا نشعر بها ولا بأنا مريدين لها كما أن حركة العضل كذلك وأما أن القلب هل يسمى عضلة أو لا فذلك مما لا يسوغ النزاع فيه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الثدي

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الثدي عضو خلق لتكوين اللبن‏.‏

إلى قوله‏:‏ فإنه قد وقفت عليه من تشريح العروق‏.‏

الشرح الحاجة إلى الثدي هو توليد اللبن ليكون غذاء الطفل وإنما احتيج إلى ذلك ليكون هذا الغذاء شبيهاً جداً بجوهر الطفل لأنه يتولد من المادة التي تكون منها أعضاؤه وبها تغذت وبيان ذلك أن كل حيوان يلد حيواناً فإنه لا بد من أن يكون في بدنه رطوبة زائدة منها يتكون ذلك الحيوان ويغتذي منها مدة تكونه فما صلح من تلك الرطوبة للاستحالة إلى جواهر أعضائه كانت غذاء لها‏.‏

وما لم يصلح لذلك وكان غير بعيد جداً عن جواهر تلك الأعضاء اندفع إلى الثدي واستحال فيه إلى حالة يصلح لتغذية أعضائه بعد الانفصال عن الرحم وذلك هو اللبن فلذلك كل حيوان يلد حيواناً فإنه يتكون فيه اللبن وبه يغتذي طفله بعد الولادة‏.‏

ولا كذلك الحيوان الذي يتولد بيض فإن هذا الحيوان يكون بدنه قليل الرطوبة فلذلك جميع ما في بدنه من الرطوبة يخرج في البيضة فلذلك إذا تكون ذلك الحيوان لم يجد في بدن أمه ما يقوم بغذائه ولذلك فإن الحيوان الذي يتولد في البيض يغتذي بالأشياء الخارجة من أو ل خروجه من البيضة ولا كذلك الحيوان الذي يتولد في الرحم فإنه عند ولادته إنما يغتذى باللبن لأن ما سواه يبعد جداً عن طبيعته فلذلك احتيج إلى الثدي لتوليد اللبن فإن الثدي في أو ل حلقة الأنثى يكون صغيراً جداً وإنما يعظم ويظهر ظهوراً بيناً عند وقت الحاجة إلى توليده اللبن وذلك عند الوقت الذي يمكن فيه الولادة‏.‏ وذلك بعد البلوغ‏.‏

فلذلك يكون ثدي الطفلة صغيراً جداً ولا يزال كذلك حتى تقارب البلوغ‏.‏ وحينئذٍ يزداد زيادة فاحشة وإذا حبلت ازداد زيادة أكثر من ذلك بكثير‏.‏

وأما الرجل فيكون ثديه صغيراً جداً وإن كملت خلقته وذلك لأن الحاجة إلى اللبن في الرجال قليلة جداً ونادرة فإن الرجل كثيراً ما تتكون في ثديه اللبن لطفل يحن عليه ونحو ذلك‏.‏

وكان لنا جار توفيت زوجته عن طفل رضيع‏.‏ ولم يكن له جدة يتخذها مرضعة‏.‏فتولد اللبن في ثديه‏.‏ وكان إذا عصر ثديه خرج منه لبن كثير‏.‏ وكان لبعض كبراء أهل دمشق أتان توفيت بعد أن وضعت جحشاً وعنده بغلة‏.‏ فدر لتلك البغلة لبن كثير يجري من ثدي تلك البغلة‏.‏

فكان إذا ركب تلك البغلة وأخذ الجحش خلفها يستحي من الناس وإذا ترك الجحش في الاصطبل صار اللبن يجري من ثدي تلك البغلة وهي تمشي تحته وهو مستح من الناس‏.‏ فلم يكن له إلا أن ترك ركوب تلك البغلة إلى أن فطمت الجحش‏.‏ ومن خواص الإنسان أن ثدييه في صدره وثديا الفيل يقربان من صدره‏.‏

وثديا غيره يقرب من الرحم وسبب ذلك أن قرب الثدي من الرحم أولى ليكون وصول المادة إليه من الرحم في حال الحمل أسهل‏.‏

وطفل غير الإنسان يتمكن من الارتضاع من ثدي أمه وهو بقرب الرحم فلذلك وجب أن يخلق الثدي هناك في غير الإنسان من الماشية وغير ذلك‏.‏

وأما الإنسان فإن ذلك تعذر فيه لأن طفل الإنسان لا يقوى على القعود ولا على القيام عقيب الولادة بل إنما يقوى على ذلك بعد مدة يعتد بها وفي تلك المدة لا يتمكن من الارتضاع من الثدي إذا كان كما في الماشية‏.‏

لأنه في تلك المدة يكون مستلقياً فإنما يسهل ارتضاعه بأن يكون الثدي مرتفعاً عن وركي المرأة في حال قعودها بقدر يعتد به‏.‏

وذلك بأن يكون في الصدر فإنه حينئذٍ يسهل دخول الحلمة في فم الطفل إذا كان مستلقياً على وركي أمه‏.‏

وتختلف الحيوانات في عدد أثدائها لاختلافها في عدد الأولاد فيكون عدد الثدي في كل حيوان بعدد أكبر ما يولد لها في العادة‏.‏ وأكثر ما للإنسان في العادة ولدان فلذلك يكون له ثديان فقط‏.‏ وأما الكلاب فأكثر عدد يولد لها عادة هو ثمانية ولذلك لها ثمانية أثداء‏.‏ قوله‏:‏ لحم غددي لا حس له أبيض اللون ولبياضه إذا تشبه به الدم أبيض‏.‏ هذا الكلام لا يصح‏.‏

وذلك لأن اللحم الغددي وإن كان أبيض غير شديد بل يميل إلى الحمرة قليلاً والدم إذا شبه بهذا اللحم فإن كان التشبه به تاماً صار لو نه أبيض إلى حمرة لبياض ذلك اللحم وإن كان ذلك التشبه أقل كانت الحمرة أغلب لأن لو ن الدم يكون بطلانه حينئذٍ أق واللبن كذلك فإن بياضه شديد جداً بل العلة في بياض اللبن هو ما يحدث له من الزبدية بسبب ما يعرض له من الغليان في الثدي والزبدية يلزمها البياض على ما عرف في العلوم الأصلية‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح المريء والمعدة

إن الحيوان يخالف النبات في أمر الغذاء من وجوه المحتاج إلى ذكره ها هنا وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن الحيوان ليس يتناول الغذاء دائماً فإنه يشتغل عنه بالنوم وبتحصيل مادة الغذاء ونحو ذلك‏.‏

وثانيهما‏:‏ أنه يتناول الغذاء بالإرادة وبالشهوة ولا يقتصر على ما هو في نفس الأمر النافع بل على ما تدعو إليه الشهوة‏.‏

ولا كذلك في النبات فإنه دائماً يجتذب الغذاء من الأرض وإن كان هذا الجذب قد يضعف في بعض الأزمان كما في الشتاء‏.‏

فإن النبات في الشتاء يقل جذبه للغذاء إنما هو بالطبع وبالجذب الطبيعي وأما دوام التحلل فهو مشترك بين الحيوان والنبات‏.‏

ولما كان التحلل في الحيوان دائماً وورود الغذاء ليس دائماً فلا بد من أن يكون في أبدان الحيوان مادة معدة لتغذيته أو لاً فأولا حتى لا تجف أعضاؤه إلا أن يرد الغذاء إليه من خارج وهذه المادة لا بد أن تكون صالحة لتغذية أعضاء الحيوان وإنما يكون كذلك إذا كانت مركبة فإن الأجسام البسيطة لا يمكن أن تغذوا لأعضاء ولا أن يتكون منها عضو أو جزء عضو لذلك لا بد من أن تكون هذه المادة جسماً مركباً ولا بد من أن يكون مع ذلك ذا رطوبة يسهل انفعالها واستحالتها إلى جواهر الأعضاء‏.‏

ولا بد من أن يكون مع ذلك سيالة حتى يتمكن من التحرك إلى كل واحد من الأعضاء الملاقية فيتمكن ذلك العضو من إحالتها إلى طبيعته وهذه المادة هي الأخلاط فإذاً لا بد من أن يكون في أبدان الحيوان أخلاط‏.‏

لكن هذه الأخلاط تقل في بعض الحيوان كما في السمك ويكثر في بعضها كما في الإنسان والفرس ونحو ذلك‏.‏

والأخلاط لا يمكن أن تكون حاصلة في بدن الحيوان من أو ل زمان الخلقة إلى أن يفسد من غير أن تكون مستمدة من أجسام أخر يرد إليها من خارج فإن بدن الحيوان عند أو ل الخلقة لا يمكنه أن يتسع لما يكفي في تغذيته زماناً فيه تتم خلقته فإن بدنه حينئذٍ يكون لا محالة أصغر من ذلك بكثير فكيف تكون فيه ما يكفي لهذه التغذية مدة عمر الحيوان فلذلك لا بد من أن تكون هذه الأخلاط تستمد من أجسام أخر ترد إليها من خارج وتستحيل طبيعته إلى طبيعة تلك الأخلاط فإن من المستحيل أن يوجد في خارج البدن أخلاط حاصلة بالفعل حتى يمكن ورودها إلى أبدان الحيوانات ويكون منها أخلاط بدون أن تستحيل على حالها التي هي عليها وهي في خارج البدن فلا بد من أجسام أخر ترد إلى أبدان الحيوانات وتستحيل فيها إلى مشابهة المادة المعدة لتغذيتها وتلك الأجسام تسمى أيضاً أغذية‏.‏

وهي مثل الخبز واللحم والطعام للإنسان ولا بد أن تكون لهذه الأجسام التي تسمى أغذية في بدن الإنسان ونحوه عضو يحيلها إلى طبائع الأخلاط وذلك العضو هو الذي نسميه الكبد وسندل على ذلك إذا بلغنا إلى تشريح الكبد‏.‏

وهذه الكبد سنبين أن جذبها للغذاء لا بد أن يكون طبيعياً والجذب الطبيعي إنما يكون لما هو نافع موافق للغرض الطبيعي وأخذ الحيوان الأجسام التي تسمى أغذية كما قلناه هو بالإرادة وبالشهوة وذلك ما لا يشترط فيه أن يكون في نفس الأمر موافقاً فلذلك إذا أخذت الكبد منه النافع الموافق فلا بد أن يبقى منه ما ليس بموافق ولا نافع غير منجذب إلى الكبد‏.‏

وهذا الشيء إن بقي في البدن دائماً فسد وأفسد الأخلاط وغيرها‏.‏

فلا بد من أندفاعه وخروجه من البدن وإنما يمكن ذلك بعد تمييزه عن الطبيعي والنافع‏.‏

وإنما يمكن ذلك بعد أن يفعل فيه عضو آخر فيحيله إلى حالة يتمكن الكبد من جذب النافع منه دون غيره وذلك العضو هو المعدة فإذا لا بد في اغتذاء الإنسان ونحوه من أن يكون له معدة يهضم الأجسام التي تسمى أغذية فتحيلها إلى حالة يتمكن الكبد بسببها من تخليص موافقها من غيره فتجتذب ذلك الموافق وتخطي من غيره فيحتاج إلى دفعه وهذه المعدة لا يمكن أن تكون موضوعة عند الفم حتى يمكن أن ترد إليها الأجسام الغذائية من الفم من غير توسط يقبلها من الفم ويؤديها إلى المعدة‏.‏

وذلك لأن المعدة لو كانت موضوعة هناك لكانت الكبد إذا أخذت النافع من تلك الأجسام احتاجت المعدة إلى دفع ما يبقى من الفضلات إلى أسفل لتخرج من مخارج الفضول التي بينا مراراً أنها لا بد من أن تكون في جهة مقابلة لجهة مورد الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون في أسفل البدن فكانت تلك الفضول في اندفاعها لا بد من أن تمر على القلب إذ قد بينا أنه لا بد من أن يكون موضوعاً في الصدر وكان يلزم ذلك شدة تضرره وتضرر أرواحه بقذارات تلك الفضول فلذلك ليس يمكن أن تكون المعدة موضوعة في موضع أعلى من القلب ولا يمكن أن تكون معه في الصدر وإلا كان القلب يتضرر بما يلزم من فعلها من الأبخرة والأدخنة لأنها كالمطبخ للغذاء فلذلك لا بد من أن تكون موضوعة تحت الصدر وذلك في الجوف الأسفل‏.‏

وإذا كانت المعدة موضوعة تحت الصدر هناك فصول الأجسام الغذائية إليها من الفم لا بد من أن يكون في وعاء يتصل بالحلق وبالمعدة حتى يمكن تأدية الأجسام الغذائية إليها من هناك إلى المعدة وهذا الوعاء هو الذي يسمى بالمريء فلذلك لا بد في تغذية الإنسان ونحوه من معدة ومريء‏.‏

فلنتكلم الآن في تشريح كل واحد من هذين بعون الله وتوفيقه ونجعل الكلام في ذلك مشتملاً على ستة مباحث‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الأول تشريح المريء

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما المريء فهو مؤلف من لحم وطبقات غشائية‏.‏

إلى قوله‏:‏ ثم يستعرض بعد النفوذ في تبسط متوسعاً متصوراً فماً للمعدة‏.‏

الشرح إذا عرض مرض يلزمه تألم فم المعدة فإنا نحس الوجع عند آخر عظام القص من أسفل‏.‏

وذلك خلف الغضروف المسمى بالخنجري وكذلك إذا عرض خفقان معدي فإنا نجده يجذب خلف هذا الغضروف ونحس به تحت القص وكذلك إذا انصب إلى فم المعدة مادة حارة صفراوية كما يعرض كثيراً للصائمين في الصيف‏.‏

وكذلك عند الإفراط في إخراج الدم في الفصد ونحوه فإنا نحس لذع تلك المادة عند آخر عظام القص وكذلك إذا كثر انصباب السوداء إلى فم المعدة خاصة إذا كانت السوداء رديئة كما في كثير من أصحاب المراقيا فإنا نحس حينئذٍ لذع تلك السوداء عند آخر عظام القص وكذلك إذا حدث للطعام الكثير التخمة ونحوها فساد يحدث اللذع فإنا نحس حينئذٍ ذلك اللذع عند آخر هذا الموضع‏.‏

أعني عند آخر عظام القص من أسفل وجميع هذا مما يوجب أن يكون فم المعدة هو في ذلك الموضع فلذلك فغن المشهور أن من جملة منافع الغضروف المعروف بالخنجري أنه وقاية لفم المعدة وإذا كان كذلك إنما اشتهر بين الأطباء من أن المريء ينتهي عند الفقرة الثانية عشرة من فقرات الظهر وأنه هناك يخرق الحجاب ويتسع ليكون منه فم المعدة ظاهر أنه حديث باطل‏.‏

فإن هذه الفقرة هي آخر فقار الظهر ويتصل بفقار القطن ويتصل بها الضلع الذي هو أقصر أضلاع الخلف‏.‏

وهو الضلع الآخر وهذا الموضع لا شك أنه أنزل من الموضع المذكور وهو عند آخر عظام القص بكثير ثم من المعلوم أن المعدة لا يمكن أن تكون عند فقار القطن فإن ذلك الموضع هو موضع الكلى والرحم وكيف يمكن أن تكون المعدة هناك وكثير من المعاء خاصة الدقاق موضع فوق السرة‏.‏

وقد عرفنا أن جميع المعاء موضوعة تحت المعدة ولو كانت المعدة عند القطن فالموضع الذي أعلاه عند آخر عظام القطن وأسفله عند محاذاة عظام القطن الذي يكون فيه من الأعضاء والمعلوم أن الكبد يشتمل على الجانب الأيمن من المعدة والطحال موضوع عند جانبها الأيسر وأنزل من موضع الكبد ومع ذلك فإنا نحس الطحال عند الشراسيف اليسرى والكبد عند الشراسيف اليمنى يظهر ذلك إذا حدث لهذين العضوين ورم خاصة في الجانب المحدب وهذا إنما يمكن إذا كان وضع المعدة فوق السرة فيما بين الجانبين ومن هذا يعرف أن ما قالوه في موضع انتهاء المريء وابتداء المعدة كاذب قبيح وذلك لأنهم يجعلون ذلك عند الفقرة الثانية عشرة وذلك إذا كانت المعدة تبتدئ يلزم ذلك أن تكون موضوعة في اسفل البطن‏.‏

ويكون أكثر الأمعاء فوقها‏.‏ وذلك لا محالة كذب محال‏.‏

والمريء كالجزء من المعدة لأنه يفعل فعلها في أخذ الغذاء وهضمه وأخذه للغذاء وهو بجذبه له بما فيه من الليف الطولي ويدفع ذلك المجذوب إلى أسفل فيعان ذلك بجذب الأجزاء السفلية وهذا الدفع هو بالليف المستعرض وليس المراد أن جذبه ودفعه إنما بهذين الليفين فقط بل وبما فيه من الجذب والدفع الطبيعيين كما في جذب حجر مغناطيس الحديد وأما جذبه ودفعه بالليف فقد بينا أن ذلك إنما يكون بفعل إرادي‏.‏ ولكن الإرادة ها هنا من الإرادات الطبيعية كما بيناه فيما سلف‏.‏

وإنما احتيج إلى هاتين القوتين أعني الإرادية والطبيعية ليتعاضدا على الجذب والدفع فيكون هذا الفعلان في المريء قويين وإنما احتيج إلى قوتهما فيه مع أن حركة الثقيل إلى أسفل سهلة وذلك لأن نفوذ المريء إلى أسفل ليس على الاستقامة بل مع انحراف قد بينا وجوبه حيث تكلمنا في تشريح الشرايين خاصة والمجذوب به والمدفوع لم يتصغر بعد أجزاؤه تصغيراً تاماً حتى يسهل نفوذه في المجرى مع ضيقه ولذلك فإن الغصص يقع كثيراً مع وجود هذه القوى في المريء وإنما يهضم المريء للغذاء بما فيه من الأجزاء اللحمية فإن ذلك اللحم بحرارته يعين على الهضم الذي يتم بالطبخ وأما الذي يكون بإحالة الصورة النوعية للمادة إلى مشابهة جوهرها فلذلك مما لا يحتاج فيه إلى حرارة‏.‏

وإنما خلق المريء كذلك لأنه جزء من المعدة والمعدة تفعل أفعالها بهذه الأجزاء أعني أنها تهضم باللحمية وتجذب وتدفع بما فيها من الليف وبما فيها من القوى الطبيعية وكذلك يجب أن يكون المريء والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني تشريح المعدة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وبعد المريء جرم المعدة المنفتح‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأحسنهما المقابل لهما للطحال هذا‏.‏

الشرح إن المريء لما كان فعله يشابه فعل المعدة وذلك هو جذب الغذاء وإحالته ليتهيأ لفعل الكبد فيه لا جرم خلق جرمه مشابهاً لجرم المعدة إذ يحتاج كما تحتاج المعدة إلى سطح حساس باطن وسطح لحمي خارج فلذلك كأنه جزء من المعدة ولا كذلك الأمعاء فإن فعلها أن يخزن الغذاء فيها مدة أخذ الكبد منه صفاوته وخالصته ثم يندفع الباقي ولذلك فعلها يباين فعل المعدة فلذلك جوهرها غير شبيه بجوهر المعدة فلذلك الأمعاء كالشيء القريب عن المعدة لكنها متصلة به من أسفل ويجب أن يكون المريء أو سع تجويفاً من أو ل الأمعاء لأن المعاء الأول إنما يحتوي على الغذاء بعد أن رق وسال ولا كذلك المريء فإن الغذاء ينفذ فيه وهو باق على تكاتفه ويبوسته فيحتاج أن يكون تجويفه أو سع كثيراً من تجاويف الأمعاء الأولى وأما الأمعاء السفلى فإن تجاويفها قد لا ينقص عن سعة تجويف المريء وذلك لأن هذه الأمعاء يكثر فيها اجتماع ثفل الغذاء وأرضيته وكثيراً ما يعرض لذلك الثفل أن يخف ويجتمع منه مقدار كثير فلذلك يحتاج أن تكون تجاويف هذه الأمعاء أو سع كثيراً من تجاويف تلك الأمعاء العليا وكذلك بطانة المريء أكثف وأغلظ كثيراً من بطانة الأمعاء العليا لأن ما ينفذ في هذه الأمعاء من الغذاء يكون قد لان وسال ولم يحدث له بعد تكاثف ولا كذلك الأمعاء السفلى فإن بطانتها تحتاج أن تكون كثيفة لتقوى على تمديد الثفل اليابس ونحوه‏.‏

وأما المعدة فبطانتها كالمتوسطة بين بطانتي المريء والأمعاء العليا وذلك لأن الغذاء في المعدة لا شك أنه ألين مما يكون وهو بعد في المريء وأما الذي في الأمعاء الأولى فإنه لا يكون إلا ليناً سيالاً فلذلك كانت بطانة المعدة كالمتوسطة بين بطانتي المعدة والأمعاء العليا ولعل بطانة المعدة مع ذلك ألين من بطانة المعاء الغلاظ‏.‏

فإن هذه الأمعاء تحتاج أن تقوى على تمديد ما يبس فيها من الثقل ويغلظ جداً‏.‏

قوله‏:‏ وألينها عند فم المعدة إنما كانت بطانة المعدة عند فمها ألين لأن هذا الموضع منها يحتاج أن يكون حسه قوياً ليشتد إدراكه للجوع وإنما يكون كذلك إذا كان جرمه إلى لين ليكون أقبل للانفعال الذي به الحس‏.‏

قوله‏:‏ أكثر لحمية مما للمعدة إنما كان كذلك لأن المعدة مع حاجتها إلى قوة الهضم فإنها محتاجة إلى قوة الحس فلذلك احتيج أن يكون جرمها اقرب إلى الاعتدال فلذلك لم يحتج إلى تكثير اللحم فيها خاصة والسخونة المعينة على هضمها يتوجه إليها كثيراً من مجاورتها من الأعضاء ولا كذلك المريء فإنه مع حاجته إلى قوة الهضم غير محتاج إلى قوة الحس لأن الغذاء ينهضم فيه في زمان قصير جداً وذلك في مدة نفوذه في تجويفه ولا كذلك المعدة فإن الغذاء يبقى فيها زمناً طويلاً حتى ينهضم فلذلك احتيج أن يكون هضم المريء قوياً ومع ذلك هو غير محتاج إلى قوة الحس بل يلزمه لأجل زيادة تضرره بلذع الأغذية اللذاعة ونحوها ومع ذلك فليس له من خارج معين على تقوية حرارته الهاضمة إلا بما يقرب منه من القلب وأما غير ذلك من أجزائه فإن أكثر الأعضاء المجاورة له باردة وإلى يبوسة فلذلك احتيج أن يكون الجوهر اللحمي في المريء إذا قيس إلى باقي جرمه أكثر منه إذا قيس لحم المعدة إلى باقي جرمها‏.‏

وأما جرم الأمعاء فيخلو عن اللحمية البتة‏.‏

وذلك لأن اللحمية فيه وإن إفادته بعضها يكمل فيه الهضم المعدي ويزيد في استعداده للهضم الكبدي فإن اللحم يضيق مسامه فلا يسهل رشح ما يرشح منه من الغذاء ولا نفوذ ما ينفذ إلى داخله من الفضلات التي يقطر من الأعضاء الأخر فإن الحق أن نفوذ الغذاء من الأمعاء إلى الكبد وغيرها من الأحشاء إنما هو على طريق الرشح‏.‏

ومن هناك يدخل كثير منه إلى داخل العروق التي هي عندنا كالأصول للعرق المسمى بالباب‏.‏

وهي التي في الثرب وغيره‏.‏

وذلك ما يقع على الأمعاء من الفضول ومن الأجسام المنقطعة عن الأعضاء الأخر فإنه ينفتح له مسام الأمعاء وينفذ فيها ذلك الجرم إلى داخل الأمعاء ثم يخرج من المخرج وكذلك خروج القطع اللحمية من الكبد والكلى ونحوها في الإسهالات ونحوها‏.‏ إنما هو بهذا الطريق‏.‏

وأما الأمعاء والمعدة يتصل بجرمها عروق تنفذ إلى داخل هذه الأعضاء وتأخذ منها صفاوة الغذاء فلذلك عندنا مما لا يصح‏.‏ فقد بينا ذلك في مواضع أخر غير هذا الموضع‏.‏ وجعلت المعدة كرية الشكل لتتسع لغذاء أكثر‏.‏

وسطحت من ورائها قليلاً لئلا يلاقي تحدبها عظام الصلب فتتضرر بذلك وفائدة التفاف العصب النازل من الدماغ إلى المعدة على المريء أن هذا العصب يعرض له الامتداد كثيراً إلى أسفل وذلك عند ثقل المعدة بالغذاء أو بالورم ونحو ذلك وهذا الامتداد يميله إلى الاستقامة فلا يضره ذلك ولو كان النازل الأول مستقيماً لتهيأ للانقطاع عند هذا الامتداد فإن المستقيم أقصر الخطوط‏.‏ وباقي ألفاظ الفصل ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث تشريح الثرب

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وقد يدفيها من قدام الثرب الممتد‏.‏

إلى قوله‏:‏ وتحفظها للزوجتها الدسمة‏.‏

الشرح قد بينا فيما سلف وجه حاجة المعدة إلى الأعضاء المدفئة لها من خارج ولا كذلك غيرها من سائر الأعضاء الهاضمة‏.‏

وبينا أيضاً السبب في أن هذه الحرارة هي التي تحتاج إليها المعدة في الاستعانة على الهضم لم يخلق لها بذاتها وذلك لأن المعدة تحتاج أن يكون مزاجها قريباً من الاعتدال لأنها مع حاجتها إلى أن تكون هاضمة للأغذية فهي أيضاً محتاجة إلى أن تكون قوية الحس لتكون شديدة الإدراك للحاجة للغذاء‏.‏

وذلك لشدة إدراكها للخلو وللذع السوداء المنصبة إليها حينئذ وقوة الحس إنما تكون مع الاعتدال فلذلك يجب أن تكون حرارة المعدة غير قوية مخرجة لها عن الاعتدال وهضمها للغذاء إنما يتم بحرارة قوية فلذلك هي محتاجة إلى استفادة هذه الحرارة من خارج‏.‏

ولذلك فإن أكثر الأدوية المقوية للهضم بذواتها حارة المزاج وإنما كان هضم المعدة يحوج إلى حرارة كثيرة لأن هضمها لا يتم بإحالة صورتها النوعية للغذاء إلى مشابهة جوهرها فقط كما هو الحال في الكبد وفي هضم الأعضاء الهضم الرابع بل هضم المعدة إنما يتم بذلك وبطبخ الغذاء في تجويفها وإحالة الصورة وإن كان غير محتاج فيه إلى حرارة قوية فإن طبخ الغذاء إنما يكون بحرارة قوية تجذب لذلك المطبوخ غلياناً شديداً به ينطبخ وهذه الحرارة محال أن تكون للمعدة بذاتها فلا بد من أن تكون مستفيدة لها من خارج والحاجة إلى استفادة تلك الحرارة من قدام أشد لألأ مقدم المعدة في الجهة التي يلاقيها في الهواء الخارجي فيبردها فلذلك تحتاج إلى هذا المسخن لإفادتها الحرارة ولتعديل ما أفاده الهواء الخارجي من البرد فاحتيج بذلك أن يوضع أمام المعدة ما يفعل ذلك وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك الشيء شديد الحرارة‏.‏

لكن هذا الشديد الحرارة لا يمكن أن يكون ملاقياً للمعدة وإلا كان تسخنها شديداً فيخرجها عن الاعتدال الذي يحتاج إليه لأجل الحس فلذلك لا بد من أن يكون حائلاً بينه وبين المعدة وهذا الحائل لا يمكن أيضاً أن يكون بذاته حاراً وإلا لم يمنع الحار الآخر من زيادة تسخين المعدة فلا بد من أن يكون بذاته بارداً ولا يمكن أن يكون كذلك‏.‏

وهو لا يقبل التسخين بسرعة وإلا لكان يبرد المعدة بالملاقاة مع منعه لتسخين الحار الآخر الذي ليس بملاق فلذلك لا بد للمعدة من جوهر حار شديد الحرارة يوضع أمامها ولا يلاقيها ومن جوهر آخر بارد يقبل أن يلاقيها ومع ذلك يقبل الحرارة من الحار الخارجي ومن غيره فيسخن المعدة باعتدال فلذلك جعل قدام المعدة عضلات البطن وهي شديدة الحرارة لأنها كثيرة اللحم وجعل خلف كل هذه العضلات جسم آخر بارد بذاته شديد القبول للتسخن بغيره وذلك هو الثرب فإن هذا الثرب فيه عروق كثيرة فهي تفيد حرارة يسيرة وجوهره شحمي فهو بذاته بارد ولكنه بدهنيته ودسومته يقبل التسخن بغيره كثيراً فلذلك مجموعه وإن كان بذاته قريباً من الاعتدال وإلى برد فإنه يقبل من الحرارة التي يستفيدها من غيره وهو تسخن المعدة سخونة معتدلة لا تضرها في جودة الحس وذلك يعينها على الهضم والذي يستفيد منه الشحم هذه الحرارة هي العضلات التي أمامه هذا هو السبب التمام‏.‏

وأما السبب المادي لذلك فإن العضو الذي يلاقي المعدة هولا محالة بالقرب من مقعر الكبد فلذلك الدم الآتي إليه إنما يأتي في العرق المسمى بالباب ماراً إلى ذلك العضو في شعب هذا العرق والدم الذي في شعب هذا العرق إذا تصفى عن الأجزاء الصفراوية التي تخالطه وذلك باندفاع تلك الأجزاء إلى المرارة وعن الأجزاء السوداوية التي تخالطه أيضاً وذلك باندفاع تلك السوداء إلى الطحال بقي الباقي من ذلك الدم مائياً كثير المائية جداً‏.‏

ومثل هذا الدم أكثر ما يتولد عنه الشحم أو السمين فإن تولد عن لحم فذلك اللحم لا بد من أن يكون كثير المائية فيكون غددياً ولذلك فإن الأعضاء التي تغتذي من الدم الآتي من هذا العرق منها ما هو شحم كالثرب ومنها ما هو لحم رخو كاللحم الذي يسمى بانقراس‏.‏

وأما ظاهر المعدة فإنه وإن كان يأتيه الدم من هذا العرق فإن المعدة بحراراتها تحلل منه المائية الكثيرة فلا جرم يكون ما يتولد منه من اللحم عليها متيناً‏.‏

ولذلك هذا الجرم الذي يلاقي المعدة من قدامها لا بد من أن يكون جوهره كثير المائية ولا يمكن أن يكون لحماً رخواً رهلاً لأن مثل هذا اللحم ليس فيه من الدسومة والدهنية ما يقبل لأجل ذلك الحرارة من غيره قبولاً كثيراً كما في الشحم ولذلك فإن الشحم يشتعل كثيراً بالنار‏.‏

ولا كذلك هذا اللحم الرخو ولذلك وجب أن يكون الملاقي للمعدة لإدفائها جرماً شحمياً لا لحماً رخواً‏.‏

وإنما لا يكون من جوهر السمين لأن جوهر السمين ليس فيه من البرد ما يعدل من حرارة العروق فلذلك كان هذا الملاقي للمعدة لإدفائها بتوسط قبوله الحرارة من غيره جرماً شحمياً‏.‏

وذلك هو الثرب وجعل هذا الثرب رقيق الجرم أي ليس كثير الثخن لئلا تلزمه زيادة كثيرة في كبر البطن وجعل جوهره كثيفاً ليفي مع رقته بحصر الحرارة في جرم المعدة فلا يتحلل بسرعة ولا كذلك لو كانت مسامه متسعة والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع تشريح الصّفاق المسمى باريطارون

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفوق الثرب الغشائي الصفاق المسمى باريطارون‏.‏

إلى قوله‏:‏ ومنه ينبت الغشاء المستبطن للصدر‏.‏

الشرح كما أن آلات التنفس يحويها الغشاء المستبطن للأضلاع كذلك آلات الغذاء ودفع الفضول والرحم هذه جميعها يحويها الغشاء الذي يسمى الصفاق وهو الذي نتكلم فيه ها هنا وإنما لم تحجب آلات الغذاء عن آلات دفع الفضول بحجاب وكذلك كلا هذين عن آلة التوليد التي هي في الرحم مع أن ذلك أولى وقاية لآلات الغذاء عن أبخرة تلك الآلات وقذاراتها لأنه لو فعل ذلك لكثرت الحجب والتكثير إنما يكون لأمر ضروري وها هنا ليس كذلك فإن تضرر آلات الغذاء بقدارات آلات الفضول وآلات التوليد بدون خلقة ما يحجب بينها ليس بأزيد من تضررها بذلك مع خلقة الحجب بقدر يعتد به وذلك لأن آلات الغذاء لا بد من أن يكون لها منافذ إلى آلات الفضول وإلا لم يمكن اندفاع تلك الفضول غليها ومن تلك المنافذ لا بد من نفوذ قذارات تلك الآلات وأبخرتها إلى آلات الغذاء سواء خلق مع ذلك حجب أو لم يخلق فلذلك لم يكن ضرورة إلى خلقة الحجب بين هذه الأعضاء ولا بد من غشاء يحوي هذه الآلات فإذا لم يكن حجب كانت هذه الآلات جميعها في غشاء واحد وذلك هو المسمى بالصفاق‏.‏

وهذا الصفاق مع أنه يحفظ هذه الآلات ويحرسها عن نفوذ ما ينفع نفوذه إليها فإنه أيضاً يحفظ أو ضاعها لأن بينه وبين عظام الصلب تنفذ العلايق المعلقة لهذه الآلات كما أن العلايق لآلات التنفس جميعها متصلة مع عظام الصلب بالغشاء المستبطن للأضلاع فوق هذا الغشاء المسمى باريطارون غشاء آخر يسمى المراق‏.‏

وفوقه عضلات البطن ثم الجلد وإنما احتيج في آلات الغذاء إلى هذا الغشاء الآخر ولم يكتف بغشاء واحد كما في آلات التنفس لأن آلات التنفس تحيط بها الأضلاع وهي شديدة التوقية لها وكذلك هذه الآلات فإنها لا يمكن أن تحيط بها عظام كما في آلات التنفس وإلا لزم ذلك تعذر الانحناء والانثناء والانتكاس إلى قدام وخلف ونحو ذلك فلذلك احتاجت إلى وقاية أخرى لا تمنع عن هذه الحركات وتلك هي هذا الغشاء الذي هو المراق‏.‏

قوله‏:‏ ومن خلفها الصلب ممتداً عليه عرق ضارب وقد ذكر أو لاً ما يدفئ المعدة من جانبها ومن قدامها والمذكور منها ها هنا هو ما يدفئها من ورائها والصلب من عظام وهي باردة فليس فيه أدفأ للمعدة إلا بما عليه من العروق المذكورة فتكون تلك العروق هي المدفئة من ورائها لا الصلب نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ومنافعه وقاية تلك الأحشاء والحجز بين المعاء وعضل المراق لئلا يتخللها فيشوش فعلها أما منفعة الصفاق في وقاية الأحشاء التي في داخله فظاهرة‏.‏

وأما منفعة الحجز بين المعاء وعضل المراق فذلك لأن هذه العضلات لو لاقت الأمعاء لكانت بحركتها تغير أو ضاع تلك الأمعاء بتخلل العضل فيها‏.‏

قوله‏:‏ فإنها تعصر المعدة بحركة العضل معها‏.‏

الحركة العاصرة للمعدة وغيرها من الأحشاء المحتاجة في دفع فضولها إلى ذلك إنما هي للعضل التي للبطن وأما المراق بذاته فلا حركة له ولكنه قد ينفع في هذا العصر بسبب المزاحمة‏.‏

قوله‏:‏ وأغلظه أسفله وأيسره‏.‏

أما أغلظ أسفل الصفاق فليكون هناك قوياً على حمل الأحشاء وليتدارك بذلك ما يوجبه الثقبان اللذان فيه من وهن الجرم فلا تكثر عروض الإنخراق له وأما غلظ اليبس فلأن الرياح المحرقة وهي الملازمة لضعف الطحال يكثر هناك فيحتاج أن يكون جرمه هناك قوياً لئلا ينخرق بقوة تمديد تلك الرياح‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الخامس تتمة الكلام في الثرب

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ويفضل من منبت الصفاق فضل من الجانبين‏.‏

إلى قوله‏:‏ تسخين المعدة تعاونها في وقايتها‏.‏

الشرح عبارة الكتاب في هذا بينة ويريد بالمناوط المنابت التي ينبت منها الثرب‏.‏

وهذا على الرأي المشهور‏.‏

وأما الحق فإن تلك ليست بمنابت وإنما هي مواضع اتصال ما به يتعلق بتلك الأعضاء‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث السادس تتمة الكلام في المعدة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفي اسفل المعدة ثقب‏.‏

إلى قوله‏:‏ ويعني به فم المعدة حسب تأويله‏.‏

الشرح إن هذا مما لا أصدقه وذلك لأن الجوع الشديد يلزمه شدة جذب الكبد وغيرها من الأعضاء المادة من المعدة وذلك يشتد حينئذٍ الامتصاص من المعدة فكيف يدفع إليها ما هو بعدها من الأعضاء فضلاً لذلك عن الكبد وخاصة والكبد عند الجوع الشديد يكون لا محالة خالية من الدم وإن كان فيها شيء منه كانت شديد ة التمسك به فكيف يدفعه إلى المعدة ولو اندفع من الكبد دم من جهة مقعرها لكان يقع على الأمعاء ويخرج بالأسهل لا أنه يندفع من المعدة ومن أين ينفذ إلى باطن المعدة ولا منفذ إلا على ما يقولون من أن ألماساً ريقاً يتصل بعضها بالمعدة نافذة إلى تجويفها وهذا شيء قد بينا كذبه فيما سلف ولو نفذ إلى باطن المعدة الدم لكان ذلك الدم إما أن يخرج بالقيء على الفور أو يجمد في المعدة إن دام فيها ويستحيل سماً بل قد يندفع حينئذٍ إلى المعدة من السوداء ما يشبه هذا الدم وذلك لأجل شدة امتصاص فم المعدة للعرق الآتي إليه من الطحال ولقائل أن يقول هذا‏:‏ قد شاهد شيئاً من ذلك فطنه دماً‏.‏

وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الكبد

إنا قبل الكلام في تعريف الكبد نقدم مقدمة نبين فيها وجه الحاجة إلى الكبد فنقول‏.‏

قد بينا مراراً كثيرة أن الحاجة إلى خلقة الكبد هي أن تحيل الغذاء إلى مشابهة جوهرها فيصير لذلك دماً وخلطاً وذلك بعد استعداده في المعدة لذلك‏.‏

وذلك لطبخ المعدة له وإحالتها إياه إلى حالة يشابه جوهرها مشابهة ما فتصير بذلك مع أنه أقرب مشابهة لجوهر المعدة مما كان أو لاً لأنه هو أيضاً أقرب مشابهة لجوهر الكبد فلذلك تقرب استحالته إلى مشابهة جوهر الكبد وذلك إذا فعلت فيه بصورتها النوعية فإن الأجسام في هذا العالم جميعها تتفاعل إذا تلاقت وذلك بأن يفعل كل واحد منها في مادة الآخر فعلاً يقرب تلك المادة إلى مشابهة جوهره ولذلك إذا تلاقت العناصر تفاعلت ولزم ذلك حصول المزاج وبيان هذا أن مادة أجسام هذا العالم جميعها واحدة وإنما تختلف في الأجسام باختلاف حالها من الصور وكل صورة في جسم فإن من شأنها أن تجعل المادة التي هي قائمة بها على الكيفيات التي بها تكون تلك المادة شديدة الملاءمة لتلك الصورة حتى تكون تلك الصورة حينئذٍ أثبت في تلك المادة مثال ذلك الماء فإن صورته من شأنها أن يجعل مادته باردة رطبة وتلك المادة بذلك شديدة المناسبة لصورته حتى إن تلك المادة ما دامت كذلك استحالت أن تفارقها تلك الصورة وإذا حدث لها قاسر يخرج له عن طبيعته كالنار مثلاً إذا سخنته فإن تلك السخونة إذا كانت شديدة جداً أعدت مادته لقبول تلك الصورة الهوائية واستحال ذلك الماء هواء‏.‏

وإن كانت تلك السخونة أضعف من ذلك الماء لو يفارق صورته لمادته ولكنها تكون في طريق أن يفارق وذلك إذا تزيدت الماء سخونة ثم إذا بطل تأثير ذلك القاسر وكان الماء لم يفارق صورته لمادته كانت تلك الصورة حينئذٍ مجتهدة في إبطال تلك السخونة لتزول عن مادته التأهب لأن يفارق صورته ومع ذلك فلا يقتصر على إبطال تلك السخونة فقط بل تحيله مع ذلك إلى الكيفية المناسبة لصورته حتى يصير بارداً رطباً ومادة جميع هذا العالم واحدة فإن المادة التي في النار هي بعينها المادة التي في الماء لكن تلك تصورت بصورة النار وهذه تصورت بصورة الماء فلذلك صورة النار تحيل المادة المصورة بصورة الماء إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة النار فتصير ناراً ومادة الماء تحيل مادة النار إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة الماء فيصير ماء وكذلك الأجسام المختلفة الصور جميعها كل منها يفعل في غيره هذا الفعل وإن كان بعض الأجسام في ذلك أقوى من بعض فما كان من الأجسام قوى الكيفيات فهو أقوى على إحالة غيره إلى طبيعته من الأجسام إلى كيفياتها ضعيفة فلذلك فإن إحالة النار للماء حاراً أكثر كثيراً من إحالة الهواء إلى الحرارة وكذلك إحالة النطرون لغيره نطروناً أشد وأسرع من إحالة الماء وغيره مادة خاصة إذا كان المستحيل بصورة يعسر قبولها لصورة المحيل لو كانت الاستحالة إلى صورة المحيل عسرة جداً ولذلك فإن استحالة الماء ناراً أعسر من استحالة الأرض ناراً مع أن الأرض أشد كثافة من الماء وأبعد في ذلك عن طبيعة النار وذلك لأن الماء لأجل قوة برده ورطوبة مادته تعسر استحالة مادته ناراً ولا كذلك الأرض فإن بردها أضعف ومادتها يابسة وكذلك استحالة الأجسام رصاصاً أسرع كثيراً وأسهل من استحالتها ذهباً‏.‏

وذلك لأن الذهب إنما يتحقق بمزاج شديد وذلك مما يعسر تكيف الأجسام بمزاجه ولا كذلك الرصاص‏.‏

ولذلك إذا طال مقام الرصاص في موضع ندي كبر جرمه ولذلك يزداد بخلاف الذهب وقد يحيل جسم جسماً آخر إلى جسم بصورة ثالثة ليست لو أحد منهما فإن النار إذا سخنت الماء سخونة شديدة صار لذلك هواء وكذلك يقال إن الأكسير يحيل الرصاص فضة أو النحاس ذهباً مع أنه ليس بصورة واحد منها وذلك لأن هذا المحيل لا يحيل المادة فيكون بصورة ذلك الثالث بل لأنه يحيلها للتصور بصورته ولكنها في طريق تلك الاستحالة يستعد لصورة ذلك الثالث‏.‏

والله تعالى لكرمه لا يمنع مستعداً ما استعد له‏.‏

فلذلك الماء إذا تسخن بفعل النار فالنار تسخنه ليصير ناراً لكنه قبل أن يندفع إلى الحد الذي وكذلك الأكسير يحيل الرصاص مثلاً لأن يكون بصورته وقبل بلوغه إلى ذلك الحد يستعد لصورة الفضة فيفاض عليه ولذلك المعدة تحيل الغذاء المستحيل إلى صورتها وقبل ذلك يستعد بعض الاستحالة إلى صورة جسم آخر وأجسام أخر فإن الماء إذا استحال هواء استعد قريباً بذلك من الاستعداد لاستحالة ما وكذلك الحال في الكبد فإن الغذاء إذا استحال إلى صورتها قريباً بذلك من الاستحالة إلى جواهر الأعضاء كلها فهذه فائدة الكبد فإنها إذا أحالت الغذاء دماً استعد بذلك الاستحالة إلى جوهر كل عضو فكان جوهر الكبد كالمتوسط بين جواهر الأغذية وجواهر الأعضاء الأخر‏.‏ ونحن قد تساهلنا في هذا الكلام فأطلقنا لفظ الاستحالة على التغير في الجوهر‏.‏

وذلك لأجل تسهيل التعليم وكلامنا في تشريح الكبد يشتمل على بحثين‏:‏

  البحث الأول هيئة الكبد وموضعها وأفعالها

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الكبد هو العضو الذي‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأكثر القوى الأخرى في ليفيته‏.‏

الشرح قوله وإن كان الماساريقاً قد يحيل الكيلوس إلى الدم إحالة ما إن عني بالدم الخلط الذي لو نه أحمر فإحالة الماساريقا الكيلوس إليه إنما يكون بتقريبه إلى طبيعة الدم أعني أن الماساريقا يقرب الكيلوس إلى أن يصير في الكبد دماً وذلك بأن يحيله بعض الإحالة التي بها يستعد لقبول الصورة الدموية وهذا كما أن الفم والمريء يحيلان الغذاء إلى أن تسهل صيرورته في المعة كيلوساً‏.‏

وأما إن عني بالدم ما يصلح لتغذية عضو وإن لم يكن لو نه أحمر فلا يبعد أن تقوى الماساريقا على ذلك وذلك بأن تحيل الكيلوس إلى أن يصير صالحاً لتغذيتها وإن لم ينفذ إلى الكبد البتة وذلك فإن السطح الباطن من المعدة يحيل الكيلوس إلى حالة تصلح بها تغذيته ولكنه لا يصير بذلك أحمر اللون لأنه إنما يصير بذلك أحمر اللون لأنه إنما يصير كذلك باستحالته إلى مشابهته جوهر باطن المعدة وهذا الجوهر ليس بأحمر اللون فما يستحيل إلى مشابهته محال أن يكون لو نه أحمر‏.‏

قوله‏:‏ كأنه دم جامد يريد بالجمود هاهنا مسمى الانعقاد على سبيل التجوز وذلك لأن الجمود إنما يقال حقيقة لانعقاد الشيء بالبرد‏.‏

وأمامنا ينعقد بالحرارة كانعقاد جرم الكبد فلذلك إذا قيل له جمود كان على سبيل التجوز‏.‏

قوله‏:‏ وهو يمتص من المعدة والأمعاء بتوسط شعب الباب المسماة ماساريقا من تقعيره وبطبخه هناك دماً وتوجهه إلى البدن بتوسط العرق الأجوف النابت من حدبته قد علمت مما سلف من كلامنا أن الكبد يأخذ مادة الغذاء بعضها بانتشار فيها لما يرشح من المعدة والأمعاء من ذلك وبعضها بما يستسقيه أجزاء الباب التي نسميها نحن‏:‏ أصولاً ويسمونها هم‏:‏ فروعاً وشعباً‏.‏

وعلمت أن هذه المادة تنفذ أو لاً إلى الجزء المقعر من الكبد وهو الذي تنبت فيه أكثر فروع الباب التي يسمونها هم أصولاً‏.‏

وفي ذلك الجزء المقعر يستحيل أو لاً إلى الأخلاط الأربعة ثم تجذبها أصول العرق المسمى بالأجوف من فوهاتها الملاقية لفوهات فروع الباب وإنما ينجذب حينئذٍ في تلك الأصول الدم والبلغم وما بقي من الكيلوس وذلك لأن هذه جميعها تصلح لتغذية محدب الكبد وإنما هو يجذب لأجل هذه التغذية فلذلك تتخلف السوداء والصفراء في مقعر الكبد ويحتاج إلى دفعها ليخلو المكان لجذب غذاء آخر واندفاعها حينئذٍ لا يمكن أن يكون إلى جهة المحدب فإنه لا يقبلها لأنهما لا يصلحان للتغذية فلذلك إنما يندفع من المقعر إلى الجهة التي فيها المعدة والأمعاء وتندفع الصفراء في فرع من فروع الباب إلى المرارة من غير أن ينفذ في الباب وأما السوداء فيندفع في الباب وينفذ ويندفع في الطحال كما بيناه في كلامنا في تشريح الأوردة وبذلك تتميز الصفراء والسوداء المندفعتان إلى مجاريهما‏.‏

قوله‏:‏ وتوجه المائية إلى الكليتين من طريق الحدبة‏.‏

لقائل أن يقول‏:‏ إنكم قلتم إن اندفاع الصفراء والسوداء من المقعر إنما كان لأن المحدب لا يجذبهما لأنهما لا يصلحان لتغذية عضو من الأعضاء فهي أولى بأن لا يجذبها المحدب‏.‏

وكان ينبغي أن يكون اندفاعها من المقعر وجوابه‏:‏ أن هذا لا يصح فإن نفوذ المائية في المقعر لا لأجل التغذي بل ليرقق الغذاء فتمكن نفوذه في مجاري الكبد وهذا مما يحتاج إليه في المحدب أيضاً فلذلك ينجذب إليه الماء فإذا انفصل الدم وغيره من الأخلاط من الكبد إلى العرق الأجوف جذبت الأعضاء تلك الأخلاط لتغتذي بها ولم يجذب من المائية إلا ما يحتاج إليه في التغذية فيبقى ما كانت الحاجة إليه لأجل نفوذ الغذاء في مجاري الكبد مستغنياً عنه فلذلك يحتاج إلى دفعه ويندفع حينئذٍ إلى الكليتين قوله‏:‏ ويعد لها بالنبض‏.‏

هذا لا يصح فإن نفوذ الشرايين في الأعضاء إنما هو لإفادتها الحياة والحرارة الغريزية لا لتعديلها فإن تعديل النبض إنما هو بنفوذ الهواء البارد إلى تجاويف الشرايين وذلك فإن أفاد تبريداً فإن تبريده إنما هو لما هو في داخل الشرايين لا للعضو الذي فيه شريان فإن ذلك لا يصل إليه بتبريد هذا الهواء المجذوب إلى داخل الشريان‏.‏

قوله‏:‏ والفضاء الذي يحوي الكبد يربطها بالغشاء المجلل للمعدة والأمعاء يريد بهذا الغشاء الشحمي الذي هو الثرب فإن هذا الثرب يغشي الأمعاء والمعدة ونحوها من أعضاء الغذاء والفضول‏.‏

قوله‏:‏ وإذا اختل في التميز اختل أيضاً تولد الدم الجيد واختلال التمييز قد لا يلزمه اختلال في تولد الدم بل في الدم الواصل إلى الأعضاء وإن كان تولده على أفضل الوجوه وذلك لأن اختلال التمييز إن كان بسبب غير الكبد فظاهر أن ذلك لا يلزمه اختلالها في توليد الدم ولا في غيره وإن كان اختلال التمييز لأجل خلل في الكبد فقد لا يلزم ذلك أيضاً وقوع خلل في توليدها الدم لأن القوة المميزة مغايرة للقوة الهاضمة‏.‏

ومن الجائز أن يعرض خلل في القوة المميزة مع سلامة غيرها من القوى‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني نقض مذهب قيل في القوى التي في الماساريقا

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولا يبعد أن يكون في الماساريقا‏.‏

إلى قوله‏:‏ وكذلك الهواء بين الحديد والمغناطيس عند أكثر أهل التحقيق‏.‏

الشرح أما أن الماساريقا ونحوها من الأعضاء فيها قوى يتصرف في غذائها فذلك مما لا شك فيه فإن جميع الأعضاء لا تخلو عن ذلك وقد وقع الاتفاق على ذلك بين الأطباء والفلاسفة وأما أن فيها قوى يتصرف فيها في الغذاء العام كتصرف المعدة والكبد فذلك ما لا أجزم بثبوته ولا أنفيه وإن كنت إلى ثبوته أميل وذلك ليستفيد الغذاء فيها تهيئة بفعل الكبد‏.‏ وألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح المرارة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن المرارة كيس معلق‏.‏

إلى قوله‏:‏ إلى الأمعاء بإفراط أو رثت الإسهال المراري والسحج‏.‏

الشرح لما كانت المعدة تدفع الغذاء إلى الأمعاء وتأخذ الكبد منه خالصه وصفاوته ويبقى في المعاء ثفله وفاسده‏.‏

وذلك لا محالة رديء شديد القبول للعفونة والفساد وإذا فسد أفسد ما يجاوره من جرم الأمعاء‏.‏

لا جرم أنعم الخالق سبحانه وتعالى وأجري على ظاهر جرم الأمعاء من داخل رطوبة لكن ذلك الثفل الفاسد وتلك الرطوبة لا محالة مع أنها تمنع وصول ضرر ذلك الثفل إلى جرم الأمعاء فهي لا محالة تمنع جرم الأمعاء عن إدراكه والشعور به وإلا كانت تتضرر لحدته ولذعه وإذا كان كذلك لم يكن في الأمعاء ما يوجب الاهتمام بدفعه وإذا طال زمانه فيها تضرر خاصة الأعضاء العالية بما يتصعد منه من الأبخرة فلذلك احتيج عند طول احتباسه وخوف التضرر ببخاره وعفنه أن يخالطه ما ينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعها ويحوجها إلى الاهتمام بدفعه وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك المخالط شديد الحدة واللذع رقيق القوام جداً يتمكن من قوة النفوذ وسرعته إلى جرم الأمعاء ويفعل فيها ذلك وليس في البدن سوى أعضاء وأرواح ورطوبات وهذا الذي يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من الأعضاء ولا من الأرواح فهو إذاً من الرطوبات وليس في البدن رطوبة تفعل ما قلناه سوى الصفراء فلذلك لا بد عند الحاجة إلى إخراج الثفل من أن ينفذ إلى تجاويفها قسط من الصفراء ويخالط الثفل المحتبس فيها وينفذ إلى جرم الأمعاء ويلذعه ويحوجه إلى دفعه ودفع ما يخالطه من الثفل لأجل اختلاطه به وهذه الصفراء ليس يمكن أن يكون نفوذها إلى هناك من عروق البدن ومن الأعضاء البعيدة وإلا كانت تنقطع عن النفوذ إلى تجاويف الأمعاء كثيراً لكثرة العوائق لها عن ذلك فلذلك احتيج أن يكون بقرب الأمعاء قسط متوفر من الصفراء مدخر لهذه المنفعة ونحوها‏.‏

وتلك الصفراء لا بد أن تكون في وعاء يحفظها من التبدد والسيلان إلى وفق الحاجة إليها وذلك الوعاء هو المرارة فلذلك هذه المرارة لا بد منها في تنقية الأمعاء من الثفل الذي هو قد فسد واحتيج إلى إخراجه‏.‏

ومع ذلك فإنها ينتفع بها في أمور أخر لتسخين المعدة والمعاء وتنقية الأمعاء أيضاً من الرطوبات اللزجة والبلغم ولذلك إذا امتنع نفوذ الصفراء من هناك إلى داخل الأمعاء حدث عن ذلك رياح وآلام شديدة كالقولنج ومع ذلك فإنها تجذبها الصفراء إليها لأجل ما ذكرناه من المنافع فإنها بهذا الجذب تنقي الدم من المرار الزائد على ما يحتاج إليه البدن ولذلك إذا بطل نفوذ الصفراء إلى المرارة كثر لذلك المرار في البدن وحدثت منها آفات منها اليرقان الأصفر‏.‏

قوله‏:‏ وفم ومجرى إلى ناحية المعدة والأمعاء يرسل فيهما إلى ناحيتهما فضل الصفراء‏.‏

هذا هو المشهور‏:‏ وهو أن المرارة ينفذ منها إلى أسفل المعدة مجرى تصب الصفراء في أسفل المعدة وينفذ منها إلى الأمعاء مجرى آخر تنفذ منه الصفراء إلى تجاويف الأمعاء وهذا لا محالة باطل‏.‏

فإن المرارة شاهدناها مراراً ولم نجد فيها ما ينفذ لا إلى المعدة ولا إلى الأمعاء وإنما تنفذ الصفراء منها إلى هذين الموضعين على سبيل الرشح‏.‏

وذلك لأن هذه المرارة إذا كثرت فيها الصفراء وذلك عندما يأتيها الدم المراري من معقر الكبد يتمدد لذلك جرمها وتتسع مسامها فيرشح منها قسط كثير من الصفراء وينفذ من هناك في مسام التخلخل أسفل المعدة إلى داخلها ومن مسام الأمعاء إلى تجاويفها‏.‏

فمن تكون هذه المرارة فيه مرتفعة قليلاً أو يكون أسفل المعدة فيه شديد التخلخل كان ما ينفذ إلى داخل معدته من تلك الصفراء المترشحة من المرارة كثيراً جداً‏.‏

وكان ما ينفذ منها إلى تجاويف الأمعاء قليلاً خاصة إذا كان جرم أمعائه مع ذلك مستحصفاً يقل نفوذها هذه الصفراء في خلله‏.‏

ومن تكون هذه المرارة فيه منخفضة فإنه يقل جداً نفوذ ما يرشح منها من الصفراء إلى أسفل معدته وأكثر ترشح تلك الصفراء يكون إلى تجاويف أمعائه وربما بلغ انخفاض المرارة في بعض الناس إلى أن لا يندفع منها إلى معقر المعدة شيء البتة وإنما لا يندفع من هذه الصفراء شيء ما إلى أعالي المعدة لان هذه المرارة ليست ترتفع إلى قرب أعالي المعدة فذلك فائدة فإن الصفراء لو نفذت إلى أعالي المعدة لأسقطت شهوة الطعام ولما كان أعالي المعدة لا يندفع إليه الصفراء بالطبع فهولا محالة يكثر فيه البلغم وغيره من الرطوبات فلذلك يحتاج إلى إخراج ذلك بالقيء فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ صحة المعدة وذلك شرط في حفظ صحة البدن كله فلذلك كان القيء من الأمور التي تكاد تكون ضرورية في حفظ الصحة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الطحال

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الطحال بالجملة مفرغة ثفل الدم‏.‏

إلى قوله‏:‏ فإن غشاء الحجاب أيضاً مثل الصفاق‏.‏

الشرح فالتخلخل والحاجة إلى الغذاء لا زمان لكل واحد من الأعضاء وأما الجوع فليس بلازم لكل واحد منها فإن الجوع إحساس ما والحس ليس يمكن أن يعم الأعضاء‏.‏

فإن بعض الأعضاء تمنع عليه الحس لأن الحس إنما يكون مع اعتدال المزاج أو القريب من الاعتدال وليس يمكن أن تكون الأعضاء جميعها كذلك فلذلك لا يمكن أن يكون عضو جوع يخرجه إلى طلب الرزق فلا بدمن عضو يتكفل للأعضاء جميعها بشدة طلب الغذاء وإنما يمكن ذلك بأن يكون الجوع يحدث له ألماً شديداً يحوجه إلى شدة طلب الغذاء ويحوج صاحبه إلى شدة السعي في تحصيله وذلك العضو هو المعدة وهذا الألم الذي يحدث لها عند الجوع إنما يكون لأمر يحدث لها حينئذٍ إذ لو كان دائماً لكان ما يحدثه من الجوع دائماً وهذا الحادث لا بد من أن يكون إيلامه للمعدة مقوياً له إذ لو لا ذلك لكانت تضعف جداً بكثرة حدوث ذلك الألم لها وإنما يمكن ذلك أن يكون إحداثه لذلك ليس بإحداث سوء مزاج يحدث للمعدة وإلا كان كثرة حدوث ذلك موحياً لفساد مزاج المعدة وذلك محدث لضعفها فلا بد من أن يكون ذلك الألم بإحداث تفرق اتصال ويكون ذلك التفرق من شأنه أن يفارق ويرتد الاتصال بسهولة وبطبيعة المعدة من غير احتياج إلى شيء آخر يرد ليرد ذلك الاتصال وإنما يمكن إذا كان ذلك التفرق يسيراً جداً فإن التفرق الكثير الشديد تعسر إزالته بنفس الطبيعة والتفرق اليسير لا يكون ألمه ظاهراً شديداً ما لم يكثر عدده كثيراً جداً حتى يكون كل واحد من أفراده مع أنه غير محسوس فإن الحمل يحس ويؤلم ألماً ظاهراً‏.‏

وهذا التفرق الذي هو كذلك هو التفرق الحادث عن الشيء اللاذع فإن اللذاع يحدث في العضو تفريقات كثيرة ليس يحس واحد منها لكن يحس بجملتها وتكون جملتها هي المؤلمة وهذا كما يحدث في الفم عند المضمضة بالخل مع الخردل المسحوق فلا بد من أن يكون في المعدة عند خلوها وخلو الأعضاء من الغذاء والاحتياج إلى ورود الغذاء يرد إليها ما له لذع يؤلم المعدة ويحوج إلى تكلف تحصيل الغذاء وهذا اللاذع لا يمكن أن يكون لذعه بحرارته كما في الصفراء وإلا كان منفرداً عن الغذاء لا محرضاً على تناوله ولا بد من أن يكون لذعه غير ذلك ولا بد من أن يكون هذا الشيء من الرطوبات كما بيناه في تشريح المرارة وليس في رطوبات البدن ما يلذع بغير المرارة إلا ما طعمه حامض ولا بد من أن تكون فيه هذه الحموضة مع قبض يشد المعدة ويقويها وليس في الرطوبات ما يجمع هذين الطعمين إلا السوداء وذلك بعد غليانها المحدث لنضجها إذن بدون ذلك تكون السوداء الطبيعية طعمها بين حلاوة وعفوصة فلا بد إذن من أن تكون السوداء التي قد نضجت بالغليان وحمض طعمها ينصب إلى المعدة عند الحاجة إلى الغذاء ليحرض على تناوله ولا يمكن أن تكون السوداء ترد إلى المعدة من موضع بعيد كما قلناه في الصفراء المندفعة إلى الأمعاء ولا بد من أن تكون هذه السوداء ترد مخزونة في عضو بقرب المعدة وذلك العضو هو الطحال فلا بد من أن يكون هذا الطحال من شأنه جذب السوداء وإصلاحها بعد ذلك وإنضاجها ثم دفع ما فضل عنه إلى المعدة عند الحاجة إلى تناول الغذاء ولا بد من أن يكون بالقرب منها ليسهل اندفاع السوداء منه إليها وإذا ضعف الطحال كثرت السوداء في الدم الواصل إلى البدن فلزم ذلك حدوث الأمراض السوداوية سواء ضعف عن جذب السوداء أو عن دفعها إلى المعدة‏.‏ أما إذا ضعف عن جذبها فلأنها حينئذٍ تبقى مخالطة للدم‏.‏

وإذا ضعف عن دفعها إلى المعدة فلأنها حينئذٍ تكثر فيه وتملاً أو عيته فلا يتمكن من جذب شيء آخر فتكثر السوداء في الدم كما قلناه عند ضعف الجذب فلذلك لا شيء أنفع من قوله‏:‏ والطحال مستطيل لساني‏.‏

السبب في خلقه مستطيلاً أن يكون ممتداً في بعض طول المعدة حتى يسهل اندفاع ما يندفع منه من السوداء إليها ولم يخلق مستديراً لئلا يكثر جرمه‏.‏ فإن تقليل جرمه أولى‏.‏ ولذلك إذا سمن تضرر البدن ونحف‏.‏ وإنما لم يخلق مشتملاً على المعدة كما في الكبد لئلا تكثر ملاقاته لها فيفسد هضمها برداءة مزاجه‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الأمعاء الستة

وكلامنا في هذا يشتمل على خمسة مباحث‏:‏

  البحث الأول منفعة الأمعاء

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إن الخالق تعالى بسابق عنايته‏.‏

إلى قوله‏:‏ من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى‏.‏

الشرح قد علمت أن المعدة لا بد منها في هضم الغذاء وتهيئته في للإنهضام في الكبد ليتكون منه الدم وغيره من الأخلاط التي لا بد منها في التغذية التي لا بد منها في بقاء الإنسان ونحوه من الأجسام المغتذية وقد عرفت أن هضم المعدة يتم بأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ فعل صورتها في الغذاء لتحيله إلى مشابهة جوهرها‏.‏

وثانيهما‏:‏ فعل الحرارة الطابخة للغذاء حتى تتشابه أجزاؤه وتصلح لفعل الكبد فيه فإذا تم انهضام الغذاء فيها لهذين الأمرين وجب أن يندفع منها ولا يلزم فيها بعد ذلك زماناً له قدر يعتد به لأنه لو بقي فيها بعد ذلك زماناً كثيراً لزم ذلك أمران‏:‏ أحدهما تعذر نفوذ غذاء آخر إليها فتهضمه كما هضمت الأول إذ لا يكون لهذا الثاني مكان ويلزم ذلك تضرر البدن بانقطاع الغذاء الثاني عنه إلى أن يندفع الأول‏.‏

وثانيها‏:‏ إن الغذاء إذا بقي في المعدة بعد تمام انهضامه فسد لأن الحرارة لا بد وأن يستمر عملها فيه‏.‏

ويلزم ذلك أن يتدخن أو يحترق وبالجملة أن يصير بحال لا يصلح لفعل الكبد فيه فلذلك وجب أن يندفع الغذاء من المعدة إذا تم انهضامه فيها واندفاعه حينئذٍ لا يمكن أن يكون إلى الكبد فإن عروق الكبد لأجل ضيقها لا يمكن نفوذ الغذاء فيها دفعه وفي زمان قصير جداً ولو اندفع إلى فوق فخرج بالقيء مثلاً لغابت منفعته فلا بد من أن يكون اندفاعه حينئذٍ إلى داخل البدن وأن يكون ذلك في تجويف يمكن نفوذه فيه دفعة وهذا التجويف لا يمكن أن يكون بحيث يخرج هذا الغذاء منه دفعة أيضاً بل لا بد وأن يقيم فيه الغذاء مدة في مثلها يتمكن الكبد من أخذ الصالح منه الصافي فلذلك لا بد من أن يكون هذا التجويف بقرب الكبد ولا بد من أن يكون مع قبوله لجملة الغذاء دفعة يتعذر مع ذلك خروجه منه دفعة وإنما يمكن ذلك بأن يكون لهذا التجويف امتداد كبير حتى يكون بعضه مستسفلاً على الاستقامة حتى يقبل نفوذ الغذاء فيه من المعدة دفعة ويكون بعضه مع ذلك ملتوياً متعرجاً حتى يعسر نفوذ هذا الغذاء منه إلى خارج دفعة فيفوت الكبد أخذ الصالح منه ولا بد من أن يكون مع تعاريجه والتواءه يصعد بعضه إلى فوق حتى يعسر نفوذ الغذاء في ذلك الصاعد إلا بفعل الطبيعة وذلك عند الحاجة إلى دفعه وذلك عند فراغ الكبد من جذب ما من شأنها جذبه منه‏.‏

ولا بد من أن يكون مع ذلك يسهل نفوذ الصالح منه إلى الكبد وهذا إنما يمكن بأحد أمرين‏:‏ إما أن يكون فيه مجار ينفذ منها إلى داخل الكبد والكبد يجذب ذلك الصالح من تلك المجاري كما هو مذهبهم وإما أن يكون جرم هذا التجويف واسع المنافذ والمسام حتى يسهل رشح ذلك الصالح من باطن التجويف إلى خارجه فيأخذ الكبد يجذبها له بعضها بنفسها وبعضه بانتشاف العروق التي هي كالأصول للعرق النافذ في مقعر الكبد الذي هو الباب وذلك كما هو مذهبنا‏.‏

ولكن اتصال المجاري بهذا التجويف قد بينا أنه باطل لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ الوجود كما بيناه فيما سلف مراراً‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن هذا التجويف لما كان الغذاء يحصل فيه وهو بعد كثير الرطوبة مستعد لأن تتولد منه الرياح والأبخرة والكبد والمرارة مجاورتان له فهما بحرارتهما يحدثان فيه ذلك وإذا حصلت هذه الرياح ولأبخرة في هذا التجويف فهي لا محالة تمدده وتغير وضع بعض أجزائه عن بعض فلو كان له عروق تتصل به وبالكبد لكانت تلك العروق تعرض لها كثيراً أن تتمدد تمدداً كثيراً ويلزم ذلك تقطعها وكان يلزم ذلك تعذر نفوذ الغذاء وخروج الرطوبات التي في الكبد من ذلك المنقطع من تلك العروق وكان يلزم ذلك فساد البدن فلذلك نفوذ الغذاء من هذا التجويف إلى الكبد لا يمكن أن يكون بعروق تتصل به وبالكبد كما قالوه‏.‏

فلا بد من أن يكون على الوجه الذي ذكرناه وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا التجويف ذا مسام كثيرة واسعة وإنما يمكن ذلك بأن يكون جرم هذا التجويف له ثقب حتى يمكن نفوذ الغذاء من خلله وهذا التجويف هو العضو المسمى بالمعاء‏.‏

قوله‏:‏ خلق أمعاؤه التي هي آلات دفع الفضل اليابس كثيرة العدد والتلافيف‏.‏

قد ذكر ها هنا لكثرة عدد الأمعاء وكثرة تلافيفها منفعتين‏:‏ إحداهما‏:‏ أن يتأخر خروج الثفل منها فلا يخرج كما يدخل فيلزم سرعة خروجه سرعة الحاجة إلى التغذي لأنه إذا خرج بسرعة خرج قل أخذ الكبد منه الغذاء الكافي فاحتيج إلى إدخال غذاء آخر ليأخذ منه القدر الكافي ويلزم ذلك أن يكون حال الإنسان في كثرة عدد اغتذائه كحال الدواب وتلك حال مستنكرة ولذلك فإن من يفعل ذلك من الناس ينسب إلى الشره والغذاء الوارد بعمل ذلك يكون حاله كحال الأول فيخرج أيضاً بسرعة ويلزم ذلك كثرة حاجة وثانيتهما‏:‏ أن كثرة عدد الأمعاء وتلافيفها يلزمه تغيير أو ضاع الغذاء الذي في تجويفها وذلك لأن ما كان منه في موضع في العمق يرجع في موضع آخر في المحيط أو ما يقرب منه فيسهل نفوذ ما ينفذ منه إلى الكبد‏.‏

أما عندهم فبسبب قربه من العروق الماصة عند حصوله من المحيط‏.‏

وأما عندنا فلأجل قربه حينئذٍ من مسام المعاء التي يخرج منها على سبيل الرشح‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إن هاتين المنفعتين ليستا متوقفتين على كثرة عدد الأمعاء لأنها لو كانت واحدة ولكنها طويلة وكثيرة التلافيف لكانت هاتان المنفعتان متحققتين مع أن الأمعاء واحد وجوابه‏:‏ أن اختلاف الأمر في هذا ليس إلا في العبارة فقط فإن قولنا أن عدد الأمعاء ستة ليس معناه أن ستة أمعاء منفصل بعضها عن بعض كل واحد منها يقال له معاء بل جميع هذه متصلة‏.‏

وإنما قلنا إنها كثير ة العدد بمعنى أن بعضها رقيق الجرم ضيق التجويف وبعضها غليظ الجرم واسع التجويف‏.‏ وبعضها ذاهب في الاستقامة‏.‏ وبعضها ملتو آخذ على الاستدارة وغير ذلك‏.‏

والكل في الحقيقة شيء واحد متصل فلا فرق بين أن يقال‏:‏ إنها معاء واحد مختلف الأجزاء فيما ذكرنا وبين أن يقال إن كل جزء منها معاء برأسه إذ الجميع متصل كشيء واحد‏.‏

والخلاف في العبارة فقط‏.‏

والغرض بطول بقاء الغذاء في الأمعاء بالذات ليس تأخر خروجه أو تأخر طلب الغذاء بل الغرض الذاتي بذلك أن يكثر ما يصل إلى الكبد من الغذاء عند طول لبثه في الأمعاء لكثرة ما يجذبه إليها منه‏.‏

قوله‏:‏ فيتمكن طائفة أخرى من العروق من امتصاص صفاوته التي فاتت الطائفة الأولى إن أراد بهذا الطائفة من العروق بعض العروق الملاقية للأمعاء وهي التي في الثرب مثلاً فذلك صحيح وإن أراد بعض العروق التي نعتقد أنها نافذة في أجرام الأمعاء إلى تجاويفها فذلك مما أبطلناه فيما سلف‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني تعديد الأمعاء وتمييز بعضها عن بعض

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعدد الأمعاء ست‏.‏

إلى قوله‏:‏ لزجة مخاطية تقوم مقام التشحيم‏.‏

الشرح إن عدد الأمعاء يجب أن يكون ستة‏.‏

وذلك لأن المعاء المتصل بقعر المعدة وهو المعروف بالإثني عشري لابد من أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه سريعاً‏.‏

وسمي كذلك لأنه بقدر اثني عشر إصبعاً بأصابع صاحبه‏.‏ إنما كان كذلك لأنه يحتاج مع تسفله أن لا يبعد كثيراً عن الكبد فيقرب ما يبعد منه عنها ما يحدث بسبب حرارتها وقوتها الهاضمة من زيادة انهضام الغذاء أعني بذلك الانهضام الذي بعد الغذاء هضم الكبد لا الانهضام الكيلوسي‏.‏

فإن ذلك الهضم يتم في المعدة وإفادة المعدة له أولى من إفادة المعاء له فلذلك لم يجعل طوله كثيراً بل بقدر ما يتسع لما ينزل إليه من الغذاء فقط ولما كان هذا المعاء ينزل مستقيماً وابتداؤه من المنفذ الذي في أسفل المعدة‏.‏

وذلك المنفذ في وسط عرض البدن لزم أن يكون نفوذ هذا المعاء قدام فقرات الصلب ولذلك قالوا إنه يرتبط بها ليبقى وضعه محفوظاً ولا ينحرف بما يحدث له من الرياح ونحوها وهذا لا يصح فإن هذا الموضع قدام أسفل الحجاب والحجاب يحول بينه وبين عظام الصلب فلذلك لا يمكن ارتباطه بتلك العظام البتة كما أن هذا المعاء يجب أن يكون مستقيماً ليسهل نفوذ الغذاء إلى تجويفه كذلك المعاء الآخر وهو المسمى بالسرم وهو المتصل بالمخرج الذي هو الدبر يحتاج أيضاً أن يكون مستقيماً ليسهل خروج الثقل منه ولذلك يسمى هذا المعاء المستقيم وإنما يختص بهذا الاسم له مشاركة الأول في ذلك لأن الأول لقصره ليست تلزمه الاستقامة بخلاف هذا المعاء فإن هذا يأخذ في الانحدار من قرب المعدة إلى الدبر منحدراً على فقار الظهر لأنه يمتد من الدبر إلى الموضع المحاذي له من فوق والدبر في وسطه ثخانة البدن فلذلك يكون هذا المعاء ممتداً في وسط عرض البدن فلذلك يكون ممتداً على فقرات الظهر وقد وسع هذا المعاء وطول ليتمكن أن يتسع لقدر كثير من الثقل وإنما يمكن لأن هذا الثقل قد يجف ولا يسهل خروجه ويحتبس أياماً فيحتاج هذا المعاء أن يكون تجويفه بحيث يتسع لما يجتمع في تلك الأيام من الثقل‏.‏

وإنما يمكن ذلك بأن يكون هذا المعاء مع كثرة سعته كثير الطول وأما المعاء الذي بعد الإثني عشري فلا يمكن أن ينزل أيضاً مستقيماً فإن الغذاء ينحدر من المعاء الإثني عشري دفعة‏.‏

وكان هذا الثاني يتعدى إلى الكبد بكثير وينحدر الغذاء منه سريعاً جداً فلا يتمكن الكبد ولا العروق التي حوله والتي في الثرب من أن يمتص منه غذاء كثيراً ولا كانت قوة الكبد الهاضمة تقوى على هضم الغذاء الذي فيه فلذلك احتيج أن يكون هذا المعاء يأخذ أو لاً إلى جهة اليمين ليصل إلى الكبد ثم ينحرف عنها آخذاً إلى اليسار وإنما كان كذلك لأن ابتداء هذا المعاء هو من آخر المعاء الإثني عشري فلو نفذ على الاستقامة نازلاً لخرج الغذاء منه ومن الإثني عشري دفعة فلم يكن له منفعة ما في هضم الغذاء ولا في أخذ الكبد منها الصفاوة ولو نفذ أو لاً إلى اليسار لبعد أو لاً عن الكبد وقل جداً ما يأخذ الكبد منه من الغذاء فلذلك احتيج أن ينفذ أو لاً إلى اليمين ولا يكفي وصوله إلى هناك وإلا كان قصيراً جداً فيقل لذلك منفعته فلذلك جعل له طول يعتد به ونفذ من اليمين إلى اليسار وتعدى بذلك موضع ابتدائه ليطول وهو في أخذه إلى اليمين يأخذ مرتفعاً لئلا يخرج الغذاء من الإثني عشري بسرعة لان نفوذ الثفل إلى فوق عسر ثم إذا انعطف إلى اليسار آخذاً إلى أسفل لأنه لا يجد مسافة مستقيمة لأن سلوكه إلى اليسار تحت مسلكه إلى اليمين وهو في سلوكه إلى اليمين يسلك مرتفعاً فلذلك في سلوكه إلى اليسار لا بد وأن ينحدر ويلزم ذلك سرعة انحدار الغذاء من تجويفه فلذلك نفوذ الغذاء إلى هذا المعاء يطول ويعسر ونفوذه عنه يقصر فلذلك يبقى تجويفه خالياً أعني بذلك تجيفه من عند قرب الكبد إلى آخره وذلك عندما يأخذ في الانعطاف ويلزم ذلك أن يخلو آخر تجويفه الآخذ إلى اليمن عند قرب الكبد لأن الغذاء إذا انحدر من ابتداء انعطافه إلى اليسار جذب ما وراءه لئلا يخلو المكان فيلزم ذلك خلو أكثر تجويفه الآخذ إلى جهة الكبد ولذلك يسمى هذا المعاء بالصائم لأنه بحسب وضعه يخلو تجويفه بسرعة كخلو جوف الصائم ومع ذلك فإن المرارة موضوعة بحذائه فلذلك يكثر ما يترشح منها إليه من الصفراء‏.‏

وذلك بلذعه يسرع خروج ما في تجويفه من الغذاء وكذلك العروق الماصة هي بقربه كثيرة‏.‏

فكثيراً ما تأخذ منه من الغذاء وذلك موجب لخلوه وكذلك الكبد لقربها منه يكثر ما يمتصه من الغذاء وجميع ذلك موجب لخلو تجويفه لذلك يسمى بالصائم‏.‏

وإذا كان كذلك فالمعاء الذي بعد هذين لا بد من أن يكون كثير التلافيف لكثير مقام الغذاء فإن بقاءه في هذين المكانين قليل‏.‏

أما الأول فلأجل استقامته‏.‏

وأما الثاني فلما قلناه‏.‏

وهذا المعاء الثالث يسمى بالدقيق‏.‏

ولكن هذه الثلاثة جميعها دقاق لأن ما فيها من الغذاء يكون بعد رقيق القوام سيالاً ومع ذلك فإن جرمها دقيق وذلك ليسهل ترشيح الغذاء من مسامها ولما اختص الأول منها باسم الاثني عشرى واختص الثاني باسم الصائم بقي هذا الثالث وهذا المعاء طويل ملتف ليطول بقاء الغذاء فيه ليستوفي منه الكبد ما يحتاج أن يأخذ منه من الغذاء والذي يأخذه من هذه الثلاثة إنما هو الدقيق الجرم‏.‏

وأما ما لم يتم هضمه ولم تكمل رقة قوامه فإن أخذ الكبد له كالمتعذر فلذلك احتيج أن يبقى الغذاء في معاء آخر مدة طويلة ليتم انهضام باقي الغذاء فيه فلا يبقى منه ما يتعذر نفوذه إلى الكبد وإنما يمكن بقاء الغذاء في ذلك المعاء مدة طويلة إذا كان كثير التلافيف جداً كثير الطول أو كان ذا فم واحد ليكون الفم الذي يدخل فيه الغذاء هو الذي يخرج منه ولابد من أن يكون مع ذلك شديد القرب من الكبد حتى يمكن عملها فيه وأخذها الغذاء منه ويلزم ذلك أن يكون هذا المعاء على الوجه الثاني اعلأي يكون ذا فم واحد إذ لو كان على الوجه الأول أعني كثير الطول كثير التلافيف لم يتسع المكان حتى تكون جميع أجزائه بقرب الكبد فلا بد أن يكون على الوجه الثاني وهو أن يكون ذا فم واحد وإنما يمكن ذلك بأن يكون طرفه الأخير وهو الذي في اليمين مسدوداً أعني أنه لا يكون له هناك فم ويكون طرفه الأخير وهو البعيد عن الكبد متصلاً بما بعده من الأمعاء وتكون المعاء المعروف بالدقيق نافذاً في جرمه عند قرب اتصاله بالمعاء الذي بعده وهذا المعاء يسمى بالأعور وهو متسع كأنه كيس والغرض بذلك أن يكون فيه الغذاء مدة طويلة ليتم انهضامه فيه ويكثر ما يأخذه الكبد منه وأما المعاء الذي بعده وهو الذي يتصل بفمه فيجب فيه أن لا يكون مستقيماً وذلك لأن الغذاء إذا تم انهضامه في المعاء الأعور فإن الواصل منه إلى الكبد إنما يكون بما هو بقرب ظاهره فقط‏.‏

وإما أن يكون في عمقه فإنه لا يتمكن من الرشح حتى يأخذه الكبد إلا بأن يصير بقرب الظاهر وذلك إنما يمكن بأن ينفذ في معاء كثير التلافيف طويل حتى يحدث بسبب ذلك الغذاء تغير في أو ضاعه فإذا صار ما كان في عمق المعاء الأعور في قرب ظاهر هذا المعاء الذي بعده يمكن من الترشح حتى يأخذه الكبد بنفسها وبانتشاف العروق التي هناك ثم نقلها إياه إلى الكبد من العرق المسمى بالباب فلذلك المعاء الذي يندفع إليه الغذاء من المعاء الأعور لابد من أن يكون كثير الطول كثير التلافيف فلذلك يستحيل أن يكون هو المعاء المستقيم المسمى بالسرم فلا بد من أن يكون غيره ومن ذلك المعاء يجب أن ينفذ الثفل إلى المعاء المستقيم لأنه يكون حينئذٍ قد يخلص من الغذاء الذي يحتاج إلى نفوذه إلى الكبد وبقي ثفلاً فقط ومن ذلك المعاء المستقيم يندفع إلى خارج برازاً وهذه المعاء الذي يندفع إليه الغذاء من المعاء الأعور هو المعاء المسمى بالقولون وسمي بذلك لأن حدوث القولنج في أكثر الأمر يكون فيه وذلك لأن الغذاء يندفع إليه من الأعور‏.‏

وهو كثير مجتمع قد غلظ جرمه بكثرة ما انفصل من المعاء من المعدة الرقيق الرطب الصافي وإذا كان هذا المندفع كذلك وجب في كثير من الأحوال أن تحدث شدة لأن الغذاء ينتقل إليه بعد أن كان في وعاء متسع فينتقل من سعة إلى مضيق وذلك محدث للشدة فلذلك الانسداد الحادث في الأمعاء المحدث للقولنج الحقيقي إنما يحدث في هذا المعاء ولذلك يسمى قولون مشتقاً من اسم القولنج وهذه الثلاثة جرمها غليظ ليكون قوياً فلا تنخرق بقوة تمديد الثفل وحدته وتجويفها كثير السعة خاصة الأعور فإنه كالكيس كثير السعة وبعده في السعة المعاء المستقيم أما زيادة سعته فليتسع ثفلاً كثيراً كما قلناه أو لاً وأما أنه أقل سعة من الأعور فلأن الأعور يحتاج أن يجتمع فيه شيء من مادة الغذاء والثفل لينضج فيه كما قلناه فلذلك اقل هذه منفعة هو المعاء القولون‏.‏

هذه الأمعاء الثلاثة الأمعاء الغلاظ كما تسمى تلك الثلاثة الأولى الأمعاء الدقاق‏.‏

ولما كانت هذه الغلاظ تحتاج أن يكون جرمها أقوى واصبر على خدش الثفل في داخلها جرم شحمي ليمكنها من ملاقاة الثفل فيقل تضررها به والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث المخالفة بين المريء والمعاء الاثني عشري

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والمعاء الاثني عشري‏.‏

إلى قوله‏:‏ وسعتها سعة فمها المسمى بواباً‏.‏

الشرح قوله إن النافذ من المريء لا يتعاطاه من القوى الطبيعية إلا قوة واحدة وإن كانت الإرادية تعينها‏.‏

نفوذ الغذاء في المريء هو عندنا بقوة إرادية فقط لا بقوة طبيعية لكن هذه الإرادية عندنا منها إرادية مطلقة وهي التي معها شعور بالفعل وبأن ذلك الفعل مراد وهذه هي التي تسمى في المشهور إرادية‏.‏

ومنها إرادية طبيعية وهي التي الإرادة فيها للقوة الحيوانية التي لنا وهي إرادية لتلك القوة ولا يلزم ذلك أن تكون إرادية لنا وكذلك اندفاع الغذاء عن المعدة إلى الاثني عشري هو أيضاً عندنا بهذه الإرادة الطبيعية وبالقوة الجاذبة التي هي في هذا المعاء‏.‏

وهي أيضاً إرادة طبيعية فنفوذ الغذاء في هذين العضوين هو في كل واحد منهما بقوتين لكن القوتان اللتان ينفذ بهما الغذاء في المريء من نوعين متقاربين بالجنس وكلاهما إرادي وهما جاذبتان لكن إحداهما تجذب بالإرادة المطلقة والأخرى تجذب بالإرادة الطبيعية وأما القوتان اللتان ينفذ بهما الغذاء في المعاء الاثني عشري فهما أيضاً إراديتان والإرادة فيهما من نوع واحد وهي الإرادة الطبيعية لكنهما مختلفتان بالجنس اختلافاً كبيراً وذلك لأن إحداهما جاذبة والأخرى دافعة لأن نفوذ الغذاء في هذا المعاء يتم بجاذبة هذا المعاء ودافعة المعدة وقد عرفت أنا قد بينا أو لاً أن جميع الأفعال التي تتم بالليف وهي الجذب والدفع والإمساك جميعها عندنا إرادية ولكن من الإرادات الطبيعية‏.‏

قوله‏:‏ إذا كانت المعدة تحتاج إلى جذب لما ينفذ فيه‏.‏

لكن حاجة المعدة إلى الجذب أكثر لأن المجذوب إليها الغذاء والغذاء من شأنه أن يجذب إلى الأعضاء وأما المجذوب إلى الأمعاء فهو أكثر فضل الغذاء والفضلات من شأنها أن تندفع لا أن تجذب فلذلك كان من الغالب على ليف الأمعاء هو الليف العرضي العاصر فإن هذا الليف فعله الدفع‏.‏

قوله‏:‏ وكالطحال يسره أما أن بعض الكبد يحصل في الجانب الأيمن تحت المعدة فذلك ظاهر فإن بعض زوائدها تكون كذلك وأما الطحال فإنه ليس يكون تحت المعدة بل عن يسارها من أسفل أي من أسفل يسارها لأنه يكون تحتها بجملته‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع تشريح المعاء الصائم والمعاء الدقيق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والجزء من الأمعاء الدقيقة‏.‏

إلى قوله‏:‏ كما يخلو عن عروق كبدية تأتيها لمص وجذب‏.‏

الشرح زيادة هضم الأمعاء الدقيقة على الأمعاء الغليظة ليست بجواهرها فإن الجوهر الدقيق أقل حصراً للحرارة لكن استيلاء الأجرام الأخرى عليه أكثر لأن الرقيق يتمكن بقوة المجاورة له من النفوذ في جرمه أكثر فإذا كان ذلك العضو المجاور ذا قوة قوية الهضم كما هو المجاور للأمعاء الدقاق جرم الكبد وهي قوية الهضم جداً كان هضم ذلك الرقيق بذلك أكثر فلذلك يكون هضم هذه الأمعاء الدقاق بسبب مجاورتها للكبد أشد من هضم الأمعاء الغلاظ بكثير وأما الأمعاء الغلاظ فإن قوتها على دفع ما في داخلها وإخراجه أقوى كثيراً من قوة الأمعاء الدقاق وذلك لأن الأمعاء الدقاق في غالب تكون ما في داخلها سيالاً شديد القبول للتحرك والسيلان فلذلك يكفي في دفعه إلى الأمعاء الأخر أيسر قوة فلذلك لم يحتج أن يخلق قوى هذه الأمعاء قوية الدفع‏.‏

ولا كذلك الأمعاء الغلاظ فإن ما في داخلها في أكثر الأمر يكون غليظاً عسر الإجابة إلى الاندفاع فلذلك احتيج أن تخلق قواها الدافعة قوية وأما هضمها بذواتها فقد يكون أقوى بكثير من هضوم الأمعاء الدقاق بذواتها وأما الهضم بسبب مجاورتها الكبد فإنه في الدقاق أقوى لأجل قربها من الكبد مع رقة جرمها‏.‏ و الله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الخامس الكلام في بقية الأمعاء وهي الأمعاء الغلاظ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ويتصل بأسفل الدقاق معاء يسمى الأعور‏.‏

إلى قوله‏:‏ أكثر من عضل الكبد لحاجتها إلى حس كثير‏.‏

الشرح إن هذا المعاء المسمى بالأعور اختص بأمور‏:‏ أحدها‏:‏ أنه ذو فم واحد يدخل فيه الغذاء من المعاء المعروف بالدقاق ومن ذلك الفم يخرج منه المعاء المسمى قولون‏.‏

وثانيها‏:‏ أن هذا المعاء مع أنه من الغلاظ فإن هضمه أقوى من هضم جميع الأمعاء غليظها ورقيقها وإنما كان كذلك لأنه مع قربه من الكبد فإن الغذاء فيه ثابت لا يتحرك من موضع إلى غيره وذلك أقوى الأسباب على قوة الهضم فلذلك في هذا المعاء يتم هضم جميع ما فات المعدة إتمام هضمه فلذلك نسبته إلى الأمعاء الغلاظ الأخر كنسبة المعدة إلى الأمعاء الدقاق‏.‏

وثالثها‏:‏ إنه مع أن الثفل يدوم فيه مدة طويلة فإنه شديد الإعانة على دفعه جملة وذلك لأن الشيء القليل قد يعسر دفعه بطريق العصر بخلاف الكثير المجتمع فإن جرم العصر يتمكن منه أكثر من تمكنه من القليل المتفرق‏.‏ وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الكلية

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه حلقت الكلية آلة تنقي الدم‏.‏

إلى قوله‏:‏ فيأتيها شريان له قدر من الشريان الذي يأتي الكبد‏.‏

الشرح إن بقاء لبدن بدون الغذاء محال واغتذاؤه إنما يمكن بعد فعل الكبد في الغذاء وإنما يمكن ذلك بأن يكون الغذاء ينفذ في الكبد في عروق شديدة الضيق جداً لتكون الكبد كأنها بجميع أجزائها ملاقية للغذاء فيكون فعلها فيه أتم وأقوى وأسرع ونفوذ الغذاء في تلك العروق إنما يمكن بأن يترقق قوامه جداً وذلك إنما يمكن بأحد أمرين‏:‏ إما حرارة شديدة الإفراط مذيبة للأغذية كما يكون في أبدان الجوارح فإن تلك تبلغ من قوة حرارتها أن تذيب ما يلقاه من الأغذية ولو الكثيفة الجرم جداً وأما كثرة مخالطته من الماء فإن الماء قوامه رقيق جداً فإذا خالط الأغذية مخالطة تامة بالطبخ التام كما في طبخ المعدة ويلزم ذلك ترقق قوام المجموع الحاصل من الماء ومن تلك الأغذية وحرارة بدن الإنسان ونحوه من الماشية ليست تقوى على إذابة الأغذية كما هي حرارة أبدان الجوارح فلا بد من أن يكون وفق قوام الأغذية في الإنسان ونحوه وإنما هو بكثرة مخالطة المائية وهذه المائية الكثيرة إما أن تكون قوة حرارة البدن فيها شديدة كما يكون في أبدان الطيور أو لا تكون كذلك فإن كان الأول لم يضر البدن مخالطة تلك المائية الكثيرة الأغذية لأن قوة حرارته تحلل ما يخالط غذاه من تلك المائية فلذلك لا يحتاج إلى إخراجها بالبول كما في أبدان الطيور فإن من الطيور ما يشرب الماء كثيراً ومع ذلك فلا يبول وذلك لأن قوة حرارة بدن ذلك الطير تحلل المائية الزائدة فلا يتضرر بدنه بما يصحب غذاءه منها وإن كان الثاني وهو أن يكون البدن الذي يحتاج إلى ترقيق غذائه بكثرة المائية ليس له حرارة شديدة يفي بتحليل تلك المائية فإما أن يكون أعضاؤه كثيرة المائية حتى تكون محتاجة إلى تلك المائية الزائدة في تغذيتها كما في السمك أيضاً فهذا أيضاً لا يتضرر أعضاؤه بكثرة المائية فلذلك السمك أيضاً لا يبول أو لا تكون أعضاؤه كثيرة المائية كما في الإنسان ونحوه من الماشية فهذا الحيوان يحتاج إلى إخراج تلك المائية الزائدة بالبول لئلا يفسد غذاؤه وترهله فيصير حاله كحال البدن الذي به استسقاء لحمي وإنما يمكن إخراج تلك المائية ودفعها بعد فراغ المقصود منها وهو الحاجة إلى ترقيق قوام الأغذية ليتمكن نفوذها في عروق الكبد وذلك إنما يكون بعد انفصال ذلك وإنما يمكن ذلك بعد خروجه من حدبتها وإنما يمكن ذلك بأن تتميز تلك المائية وتنجذب إلى حيث تندفع بالبول وإنما يمكن هذا التمييز بأن يجتذب الأعضاء الأخر من ذلك الغذاء ما هو صالح لتغذيتها وذلك هو الدم الجيد المتين فلذلك يبقى الدم المائي في خارج حدبة الكبد متميزاً عن ذلك الدم المتين بسبب جذب الأعضاء لذلك الدم وإذا تميز هذا الدم المائي فإنما يمكن نفوذه إلى حيث يخرج بالبول بانجذابه إلى ذلك الموضع الذي يكون فيه الدم الثاني متميزاً هو عند حدبة الكبد وهو بعيد جداً هو مجاري البول المتصلة بالمثانة فإن كل واحد من هذين يجب أن يكون في أسافل البدن على ما تعرفه بعد فلا بد من عضو آخر يقوى على جذب هذا الدم المائي وذلك بان يكون موضع ذلك العضو بين المثانة وبين محدب الكبد ليكون أقرب إلى هذا المحدب فيكون قريباً من الدم المائي المتميز ولا بد أن يكون مع ذلك قوى الجذب إنما يمكن ذلك بأن يكون مزاجه حاراً فإن الحرارة تعين على الجذب وإنما يكون ذلك العضو كذلك إذا كان لحمياً لذلك احتيج أن يكون بين المثانة ومحدب الكبد عضو حار لحمي قوى الجذب للدم المائي وذلك هو الكليتان‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إن هذا لا يصح وذلك لأن كل عضو فإنه إنما يجذب مادة ليتغذى منها فالغذاء لا بد من أن يكون شبيهاً بالمغتذي وجوهر الكليتين كثيف أرضي وذلك ما لا يناسبه ولا وجوابه‏:‏ أن جذب الكليتين للدم المائي لا يلزم أن يكون لتغذية جميع أجزائها فإن جرم الكلية وإن كان صلباً كثير الأرضية فإن الشحم الكثير الذي يحتف بها جوهره جوهر مائي فلذلك إنما يتغذى بما فيه بكثير المائية جداً وذلك الدم المائي لا بد فيه من دم متين وذلك الدم المتين يقوم بغذاء جرم الكلية وما يبقى من الدم كثير المائية قليل الدموية جداً تصرفه الكلية إلى غذاء الشحم فلذلك يكون جذب الكلية لذلك الدم المائي ليس لما يغتذي به جوهرها فقط بل لتغذية جوهرها وتغذية شحمها فإن قيل وما السبب في خلقة الكلية كذلك وهلا كانت بجملة أجزائها من طبيعة واحدة وذلك بأن يكون من لحم رخو يصلح لأن يغتذي بهذا الدم المائي قلنا هذا لا يمكن‏.‏

وذلك لأن جرم الكلية يحتاج أن يكون قوي الحرارة جداً ليقوى على جذب هذا الدم مع بعده وليفي بتسخين أسفل الظهر فإن أسفل الظهر يغلب عليه البرد جداً وذلك لكثرة الأعضاء الباردة هناك وهي العظام والأغشية وجوهر العروق والأعصاب خاصة وهو لأجل بعده عن القلب يقل تسخنه بحرارته فلذلك يحتاج إلى عضو شديد الحرارة يتسخن به وذلك هو الكلى وهي بذاتها شديدة الحرارة وأحر كثيراً من الطحال لكن الطحال أكثر حرارة منها إذا اعتبرت الكلية هي وما عليها من الشحم‏.‏

وأما جرم الكلية نفسه فهو أشد حرارة من الطحال وإن هذا العضو يحتاج أن يكون شديد الحرارة فلا يمكن أن يكون جوهره لحماً رخواً فإن اللحوم الرخوة لا بد من أن تكون كثيرة الرطوبة وإنما يمكن ذلك إذا لم تكن الحرارة كثيرة فيها قوية شديدة التحليل للرطوبات ولذلك جرم الكلية لا يمكن أن يكون من لحم رخو فلا بد من أن يكون من لحم صلب والأعضاء التي في أسفل الظهر مع أنها باردة فهي أيضاً يابسة كالعظام الأغشية والأعصاب وطبقات العروق‏.‏

فلذلك الموضع يحتاج أيضاً إلى عضو يوطنه وإنما يكون ذلك حاراً‏.‏

كما أن العضو الحار جداً لا يمكن أن يكون كثير الرطوبة فلا بد من أن يكون ذلك العضو الرطب مغايراً للعضو المسخن وجرم الكلية مسخن بقوة وجرم الشحم مرطب بقوة مع أنه ليس بمبرد لأن الجرم الشحمي بما يفعله من السخونة لا بد من أن يكون مسخناً فلذلك اجتمعت هاتان المنفعتان في الكليتين فخلق جرمها حاراً وشحمها مرطباً ومجموعها يغتذي بدم ما في جرمها يغتذي كما في ذلك الدم من الدم المنتن وشحمها تغتذي بالباقي من ذلك المجموع أعني الدم المائي وكل واحد من جانبي أسفل الظهر يحتاج إلى ما قلناه من التسخين والترطيب ولذلك احتيج أن يكون في كل جانب كلية ولو خلق للجانبين كلية واحدة لكانت هذه الكلية إن وضعت في الوسط فلا يخلو إما أن تكون عظيمة جداً حتى تصل مع ذلك إلى الجانبين فتزاحم الأعضاء التي هناك أو تكون صغيرة فيكون تسخينها إنما هو توسط اسفل الظهر فيكون تسخينها حيث لا يحتاج إلى تسخين لأن هذا الوسط يتسخن بالشريان والوريد العظيمين عليه ويبقى جانبا أسفل الظهر بغير مسخن فلذلك لا بد من كليتين ولا يتم المقصود بواحدة وللكليتين منفعة أخرى غير ما ذكرناه وهي أنهما يعينان على تمام تكون المني وذلك بإسخانهما الدم النافذ في العروق الواصلة بينهما وبين الأنثيين وذلك هو الذي تنصب إليه المادة النازلة من الدماغ في عظام الصلب التي هي كالخميرة للمني فيحيل ذلك الدم إلى طبيعتها ويصير المجموع منياً ولذلك فإن صاحب الكلى الحارة باعتدال يكون كثير المني قوياً في الجماع والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح المثانة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه كما أن الخالق تعالى خلق للثفل وعاءً‏.‏

إلى قوله‏:‏ ليكون جسها بما يرتكز ويتمدد أكثر‏.‏

الشرح لما كان الإنسان من جملة الحيوانات التي تشرب الماء ومع ذلك فحرارته ليست قوية شديدة التحليل كما في الطيور ولا أعضاؤه كثيرة المائية كما في السمك وجب بالضرورة أن يكون من جملة الحيوانات التي تحتاج أن تبول ولو كان بوله يبرز إلى الخارج أو لاً فأولاً على قدر انفصاله من الكلى لكانت تلك حركة رديئة مستقذرة فيلطف الخالق تعالى فجعل ما ينفصل من كلاه قليلاً قليلاً يجتمع في تجويف عضو إلى أن يكثر وذلك في أو قات متباعدة وذلك العضو هو المثانة ولا بد من أن تكون هذه المثانة موضوعة في أسفل البدن لتكون بالقرب من الموضع الذي ينبغي أن يكون اندفاع الفضول منه وهو أن يكون في جهة مقابلة لمدخل الغذاء أو الآلة التي يندفع فيها البول في الرجال هو الإحليل وفي النساء هو الفرج فلذلك يجب أن يكون وضع المثانة هو بقرب هذين العضوين وجرم المثانة لا بد من أن يكون قوياً جداً ليتمكن من الصبر على حدة البول ولذعه ومع ذلك لا يقبل الانشقاق عند امتلاء هذا العضو من البول وتركزه ومع ذلك فيجب أن لا يكون جرمه غليظاً جداً فيزاحم الأعضاء الأخر خاصة وتجويف هذا العضو يحتاج أن يكون كثير السعة ليمكن أن يجتمع فيه مقدار كثير من البول فلذلك جرم هذا العضو الذي هو المثانة يجب أن يكون عصبياً غشائياً ليكون جرمه مع قلة ثخنه قوياً ويجب أن يكون أعلاه ومقدمه من طبقة واحدة لأن هذا الموضع لا يشتد تركزه عند امتلاء المثانة من البول لأن البول بثقله يميل إلى أسفل وما فوق المثانة يمنع شدة تمددها إلى فوق وكذلك ما أمامها من الأعضاء يمنع تمددها إلى قدام فلذلك إنما يشتد تمددها إلى خلف وإلى أسفل فلذلك احتيج أن يكون جرم المثانة في هاتين الجهتين قوياً فلذلك جعل اسفل المثانة ووراؤها من طبقتين وإذا نفذ إليها العرقان المعروفان بالحالبين‏:‏ أحدهما من الكلية اليمنى والآخر من الكلية اليسرى‏.‏

فأول نفوذهما يخرقان الطبقة العالية وينفذان كذلك مسافة ما ثم يخرقان الطبقة السافلة ويفضيان إلى تجويف المثانة وفائدة ذلك أن تكون المثانة إذا امتلأت حتى ضغطت الطبقة الداخلة الخارجة انضغط ذنك العرقان الحالبان النافذان بين الطبقتين فانسدا فامتنع رجوع البول إلى ما وراء المثانة وامتنع أيضاً رجوع البول بعد ذلك إلى المثانة‏.‏ وألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الأنثيين وأوعية المني

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قد خلق الأنثيان كما علمت‏.‏

إلى قوله‏:‏ يصل برقبة المثانة أسفل من مجرى البول‏.‏

الشرح إنا عند شرحنا للأمور الطبيعية من هذ الكتاب تكلمنا في المني وذكرنا مذاهب الناس فيه

وذكرنا مذهب جالينوس وأصحاب العلم فيه وحججهم ومع ذلك فلم نحقق الكلام فيه هناك‏.‏

وأما ها هنا فإنا نريد أن نحقق الكلام في المني ونبين كيفية تكونه ولكن على وجه مختصر ونبين بعد ذلك ما فعل الأنثيين فيه‏.‏

وذلك على الوجه المحقق ولا علينا من مخالفة المشهورين‏.‏

فنقول‏:‏ إن المادة التي يتكون منها البدن محال أن تكون متشابهة الأجزاء وإلا لم يكن تكون بعضها عظماً أولى من تكونه عصباً ورباطاً بل لحماً وجلداً ونحو ذلك فلذلك لا بد من أن تكون هذه المادة مختلفة الأجزاء وإن كان ذلك الاختلاف قد لا يظهر للحس فلذلك يكون بعضها أولى بأن يكون عظمياً وبعضها أولى بأن يكون عصبياً وبعضها أولى أن يكون عروقاً ونحو ذلك لا بد من أن يكون هذه الأجزاء المختلفة المزاج والقوام معدودة بعدد الأعضاء التي لا بد منها في تكون الإنسان حتى يكون كل واحد منها على مزاج وقوام يستعد لأجلهما لأن يكون مثلاً عظماً أو عصباً أو رباطاً ونحو ذلك وهذه المادة إما أن تكون منفصلة من بدن آخر ليكون منها بدن الجاذب فيكون تكون الإنسان ونحوه بالتوالد أو لا يكون كذلك فيكون تكون الإنسان ونحوه حينئذٍ هو بالتكون كما يكون آدم عليه السلام فإن تكونه من طين مختلف الأجزاء في المزاج والقوام حتى كان كل جزء من ذلك الطين مستعداً لعضو من الأعضاء الإنسانية بحسب ماله من ذلك المزاج وذلك القوام‏.‏

والله تعالى لكرمه لا يمنع مستحقاً من مستحقه فيعطي كل واحد من تلك الأجزاء ما يستعد له من صور الأعضاء فيكون حينئذٍ بدن آدم عليه السلام هذا‏.‏

وأما التكوين بالتوالد فقد يكون في البيض وقد يكون في داخل البدن‏.‏

والمادة التي يتولد عنها في داخل البدن تسمى المنى وهذا المنى إنما تكون أجزاؤه على الصفة التي ذكرناها إذا كان كل جزء منه قد يعدل في عضو حتى صار في مزاجه وقوامه شبيهاً بذلك العضو وإنما يمكن ذلك بأن يكون قد انهضم الهضم الرابع الذي عرفته وإنما يكون كذلك إذا كان من الرطوبة الثانية فإن الدم إنما يصل إلى الأعضاء حتى ينهضم فيها الهضم الرابع إذا صار من هذه الرطوبة‏.‏

وهذه الرطوبة قد بينا أن ما يتكون منها في البدن الذي هي فيه فإن أصنافه ثلاثة وهي الرطوبة المحصورة في أطراف العروق الساقية للأعضاء والرطوبة المنبثة على الأعضاء كالطل والرطوبة القريبة العهد بالانعقاد فلننظر الآن أن المنى من أي الرطوبات يتكون فنقول إنه يتكون من الرطوبة الكلية وذلك لأن القريبة العهد بالانعقاد التي قد صارت من جوهر العضو الذي فيه وخرجت على أن تكون قابلة للسيلان ومثل هذه لا يمكن أن يكون منها المنى‏.‏

وأما الرطوبة المحصورة في أطراف العروق الصغار فلأن تلك لم تتصل بالأعضاء فلم يحصل لها بعد الهضم الرابع فلذلك تكون المنى إنما يتكون من الرطوبة المبثوثة على الأعضاء كالطل وهذه الرطوبة كيف يمكن وصولها إلى الأنثيين ثم إلى القضيب حتى يصير منياً ومعلوم أنه ليس ما كل جزء من كل واحد من الأعضاء مجرى يسيل منه ما هناك من تلك الرطوبة إلى الأنثيين‏.‏

فكيف يمكن وصولها إلى هناك هذا إنما يمكن بأن تتبخر تلك الرطوبة من كل واحد من الأعضاء حتى يتصعد إلى أعلى البدن وهو الدماغ وهناك تفارقها الحرارة المتبخرة فيبرد ويتكاثف ويعود إلى قوامها قبل التبخر ثم من هناك ينزل إلى الأنثيين‏.‏

وقد بينا في غير هذا الكتاب أنها تنزل في العروق التي خلف الأذنين وتنفذ إلى النخاع في عروق هناك وفائدة نزولها مع النخاع أن ينحفظ عليها ما أفاده الدماغ من التعدل فلا يعرض لها أن تتبخر بالحرارة كرة أخرى حتى وصلت قرب الأنثيين صادفت هناك عروقاً واصلة من الكليتين إلى الأنثيين وتلك العروق مملوءة من دم قد يسخن في الكليتين ويعدل فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهه بعض الاستحالة فلذلك يقرب من البياض ثم بعد ذلك ينفذ إلى الأنثيين فيكمل فيهما تعدله وبياضه ونضجه‏.‏

ومنهما يندفع إلى أو عيته وهذا الدم الذي يكمل نضجه وبياضه في الأنثيين يقال له منى على سبيل التجوز وذلك لأجل مشابهته للمنى الحقيقي وهو النازل من الدماغ وفي الحقيقة فإن المتكون في الأنثيين هو فضلة غذائهما وليس بمختلف لأن أجزاؤه متشابهة وليس بمحيل إلى المنى الحقيقي المذكور‏.‏

وأما أن الأنثيين من الأعضاء الرئيسة وأنها تعطي هذه المادة التي كالمنى قوة مولدة ومصورة فلذلك قد بينا بطلانه فيما سلف‏.‏ وعبارة الكتاب لا خفاء فيها‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح القضيب

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما القضيب فإنه عضو‏.‏

إلى قوله‏:‏ ولا بد من أن يتقدم خروجه خروجها‏.‏

الشرح إن التكوين بالتوالد في الإنسان ونحوه إنما يتم في عضو مخصوص وذلك هو الرحم على ما تعرفه في موضعه وإنما يمكن ذلك بأن يجتمع في الرحم المنى الذي يمكن معه هذا التوليد فلذلك يحتاج أن يكون لهذا المنى طريق ينفذ فيه من الأنثيين إلى داخل الرحم وهذا الطريق يسمى أيضاً وعاء المنى وموضع الرحم لا يمكن أن يكون في ظاهر بدن الأم وإلا كان يبرد بالهواء الخارجي فلا يكون فيه من السخونة ما بها يصلح لأن يتكون الجنين فلذلك لا بد من أن يكون موضع الرحم داخل البدن ولا بد أيضاً من أن يكون بقرب أسفله ليكون حيث تندفع إليه فضول الأم الممدة للجنين بالغذاء مدة كونه وتلك الفضول هي دم الطمث‏.‏

واندفاع الفضول من شأنه أن يكون إلى أسفل البدن فلذلك موضع الرحم لا بد من أن يكون في داخل البدن وبقرب أسفله فلذلك إنما يتمكن مجرى المنى من صب المنى في داخله إذا كان له امتداد يصل به إلى هناك فلذلك احتيج إلى القضيب يشمل على مجرى المنى ويتمكن ذلك المجرى بسببه من صب المنى إلى داخل الرحم فلذلك حاجة القضيب إنما هو للتمكن من إيصال المنى إلى داخل الرحم وأما البول فليس به حاجة إلى القضيب بما هو بول بل ليتمكن به انزراق البول إلى حيث يبعد عن البدن فلا يسيل عليه فإن ذلك مستقذر ولذلك فإن من لا قضيب له يتمكن من البول ولا يتمكن من صب المنى في داخل الرحم فلذلك القضيب يجب أن يشتمل على ثلاثة مجارٍ‏:‏ مجرى للبول ومجرى للمنى ومجرى آخر للمذي بينهما‏.‏

وإنما وجب ذلك لأن مجرى البول لا يمكن أن يكون هو مجرى المنى وإلا كان المنى يفسد بما قد يبقى في ذلك المجرى من آثار البول فلذلك لا بد من تغاير هذين المجريين خاصة ومجرى البول يحتاج أن يكون جرمه إلى صلابة لئلا ينفعل ويتألم بحدة البول وبلذعه فإن البول لا بد فيه من مرار حار يخالطه لينبيه على وقت وجوب إخراجه‏.‏

وذلك المرار يؤلم المجرى اللين ويؤذيه فلذلك مجرى البول لا بد فيه من صلابة ومجرى المنى لا بد من أن يكون ليناً لينفعل عن حدة المني فيغرض فيه حينئذٍ شبه تفرق اتصال مؤلم ألماً ما ثم بعد ذلك يلتحم ذلك التفرق بما في المني من الغروية واللزوجة فيعود بذلك الاتصال الذي كان قد تفرق وعود هذا الاتصال يكون دفعة لأجل سرعة حركة المني كما تعرفه بعد وعود الاتصال دفعة لذيذة فلذلك يكون خروج المني لذيذاً وإذ يجري يحتاج أن يكون ليناً فهولا محالة يحدث له الانطباق والتضيق وخروج المادة من المجرى المنطبق الضيق عسر لا محالة وبطئ وخروج المني لينصب في داخل الرحم يجب أن يكون سريعاً جداً وفي زمان قصير وذلك لأن المني يفيد في الإحبال إذا كان باقياً على مزاجه وطول زمان خروجه مما يفسد مزاجه ويبرده فلا يصلح التوليد فلذلك يجب أن يكون مجرى المني عند سيلان المني فيه سهل الانفتاح غير معاوق له عن سرعة الخروج وإنما يمكن ذلك بأن تسيل عليه رطوبة متلينة تليناً يسهل معه اتساعه وهذه الرطوبة لا بد من أن يكون سيلانها على ذلك المجرى قبيل سيلان المني للخروج قبل تحريكه له إلى ذلك تحرك تلك الرطوبة وسيلانها لتليين مجرى المني وسيلان المني وخروجه إنما سببه قوى الشهوة‏.‏

وهذه الشهوة قبل قوتها تكون ضعيفة فلذلك الرطوبة الملينة لمجرى المني لا بد من أن يكون سيلانها عند ابتداء شهوة الجماع وقبل قوتها وتلك الرطوبة هي المذي‏.‏

فإن المذي من شأنه السيلان عند شهوة الجماع إذا لم تكن بعد اشتدت فإذا اشتدت أسالت المني وأخرجته فلذلك لا بد من أن يكون سيلان المذي متقدماً على سيلان المني لكنه قد يكون السائل منه بقدر تلين مجرى المني فقط ولا يسيل إلى خارج فلا يجس سيلانه وسيلان المذي لا يمكن أن يكون في مجرى المني وإلا كان المني يختلط به فيفسد فلا بد من أن يكون في مجرى آخر‏.‏

ويجب أن يكون ذلك المجرى فوق مجرى المني حتى يكون نفوذ قوته إلى مجرى المني أكثر فإنه يلين الرطوبة لما يسيل فوقه أزيد من تلينها لما يسيل من تحته وكيفية خروج هذا المذي وتحركه أن تكون شهوة الجماع إذا اشتدت حركت أجزاء القضيب لأجل التهيئة للجماع ويلزم ذلك انضغاط غدة موضوعة في ابتداء مجرى المذي ويلزم انضغاطها سيلان الرطوبة منها وأما مجرى البول فيجب أن يكون فوق هذين المجريين ليكون له فائدة في تلينها والبول لا يخلو من حدة فلذلك طول زمان مروره بالمجرى مما يلزمه تألم ذلك المجرى وانسحاجه فلذلك لا بد من رطوبة أخرى تسيل عند إرادة البول لتلين مجراه ولا بد أيضاً من رياح تنفذ معه لتعين على انفتاح ذلك المجرى لئلا يعسر خروج البول وهذه الرطوبة هي الودي ولا يحتاج إلى مجرى آخر بل نفوذها في مجرى البول أولى لأن تلينها له حينئذٍ يكون مع أن مخالطة البول لها لا ضرر فيه كما يضر اختلاط المني بغيره فلذلك كان سيلان الودي في مجرى البول وذلك بأن جعل في ابتدائه غدة إذا تحرك البول للخروج ضغط تلك الغدة فسالت منها تلك الرطوبة‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ لو كان الأجود في البول أن يكون خروجه بسرعة لكان يجب أن يكون مجراه مستقيماً فإن قطع المسافة المستقيمة أسرع لا محالة من قطع المعوجة‏.‏

ولمجرى البول في الرجال وجوابنا‏:‏ أن هذه التعاريج ليست لإطالة زمان خروج البول فإن ضرر ذلك ظاهر بل تلك التعاريج الغرض منها تمكن القضيب من الانتشار فإن مجرى البول كما بيناه أو لاً لا بد من أن يكون إلى صلابة والأجسام الصلبة ليس يسهل تمددها عند انتشار القضيب فإنه حين يخرج لا بد من أن يزداد طوله‏.‏

فلو لم يكن هذه التعاريج لما أمكن انتشار القضيب لأن المجرى إذا استقام طال ما بين طرفيه وإنما كانت هذه التعاريج في الرجال كثيرة ليتمكن القضيب من الطول الكبير الذي لا بد منه في الانتشار‏.‏

وأما التعريج الذي للنساء فليمكن الفرج من البروز عند الجماع ولما كان هذا البروز يسيراً لا جرم كفى من تعريج واحد والمجاري الثلاثة تتحد عند رأس القضيب لأنها لو بقيت نافذة إلى طرفه لبقي له ثلاثة أبخاش ظاهرة وكان ذلك معرضه لكثرة التضرر بنفوذ ما عسى أن ينفذ فيها فلذلك احتيج إلى اجتماع تلك المجاري جميعها عند رأس القضيب فلا يدرك فيه هناك سوى منفذ واحد والقضيب في جميع الماشية يبرز عند الانتشار ويختفي عند الاسترخاء إلا في الإنسان فإنه يطول ويغلظ عند الانتشار ويقصر ويدق عند الاسترخاء وسبب ذلك أن جميع الماشية فإن المسافة ما بين صلبها وظاهر بطنها أكثر كثيراً مما بين جوانبها فتجد القضيب ما بين الصلب ومقابله مسافة كثيرة ويتسع له عند الاسترخاء فلذلك بقيت في تلك المسافة لأن ذلك أو وأما في الإنسان فإن المسافة بين صلبه ومقدم بدنه أقل كثيراً مما بين جانبيه فتقصر مسافة ما بين خلفه وقدامه عن اختفاء القضيب فيها وانتشار القضيب هو لأجل ما ينفذ في عروقه وأعصابه وأربطته من الروح الشهو أني والرياح التي تكون في العروق وأرواح كثيرة حيوانية ولأجل نفوذ هذه الروح إليه ينفذ فيه دم كثر شرياني فإن هذه لروح لا تخلو عن مصاحبة الدم الشرياني لها ولأجل كثرة الدم وكثرة الأرواح يعرض له أن يسخن كثيراً‏.‏ وألفاظ الكتاب غنية عن الشرح‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الرحم

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه نقول إن آلة التوليد‏.‏

إلى قوله‏:‏ يهتكها الإفضاض ويسيل ما فيها من دم‏.‏

الشرح قد علمت أن تكون الإنسان ونحوه بالتوالد إنما يمكن بأن يكون تكونه في عضو موضوع في داخل البدن في أسفله ليكون في جهة توجه الفضول المندفعة إليه ليغذوه وهي دم الطمث‏.‏

وهذا العضو لا بد من أن يكون ذا أمور‏:‏ أحدها أنه لا بد من أن يكون هذه الفضول التي تصلح لإمداده يكثر نفوذها إليه وذلك ليقوم بغذائه وتتم المادة التي منها يتكون وإنما يمكن ذلك بأن يكون ذلك العضو من شأنه قبول اندفاع دم الطمث إليه ودم الطمث هو فضلة رطوبات الأم‏.‏

وهذه الفضلة لا يختص إندفاعها من عضو واحد بل هي مندفعة في جميع الأعضاء وإنما يمكن أن يكون اندفاعها إلى عضو ما إذا كان ذلك العضو يأتيه عروق تتحرك فيها تلك الفضلة من جميع الأعضاء إليه فلا بد من أن تكون العروق الآتية إلى هذا العضو آتية إليه من جميع الأعضاء فلذلك لا بد من أن تكون كثيرة جداً ولأن الجنين إنما يمكن تكونه بأن تتصرف فيه قوى كثيرة وإنما يمكن ذلك بأن تأتيه أرواح كثيرة والأرواح إنما تأتي الأعضاء في الشرايين فلذلك هو العضو لا بد من أن يأتيه شرايين كثيرة‏.‏

وثانيها‏:‏ أن هذا العضو لا بد من أن يكون جرمه قوياً ليقوى على ضغط الجنين وتوقيه من جميع الواردات ولا ينخرق بقوة تمديد الجنين له إذا عظم ولا بد من أن يكون هذا العضو مع قوة جرمه ليس بكثير الثخانة جداً وإلا كان يزاحم بقية الأحشاء والعضو الذي هو مع قوته قليل الثخانة هو الغشائي فلا بد من أن يكون جوهر هذا العضو غشائياً ولا يمكن أن يكون من غشاء واحد لأن هذا العضو يحتاج أن يكون ظاهره صلباً ليقوى على الأعضاء المجاورة له ودفعها أمامه ليتسع المكان عند عظم الجنين وأما ظاهره فيجب أن يكون شديد اللين لأنه يلاقي الجنين والجرم الواحد لا يمكن أن يكون أحد سطحيه أصلب من الآخر إلا إذا كان ثخنه كثيراً وذلك غير ممكن في الرحم‏.‏

وإلا كان يلزم أن يكون جرمه عظيماً جداً فلذلك الرحم لا بد من أن يكون جرمه من غشائين‏:‏ أحدهما في داخل الآخر ولا بد من أن يكون الداخل كثير العروق جداً لأنه هو الذي يلاقي الجنين والغشاء الظاهر إنما هو ليقوم حمل العضو ولذلك يحتاج أن يكون الغشاء الباطن كثير العروق جداً ليفي بإيصال الغذاء والنسيم والروح إلى الجنين‏.‏

وثالثها‏:‏ أن هذا العضو لا بد من أن يختلف حاله في توجه دم الطمث إليه وذلك لأن سيلان دم الطمث إلى هذا العضو لو كان مستمراً قليلاً لتعذر الحمل دائماً أو كان ما يتفق من الحمل مع بعد يكون فيه الجنين فاسد المزاج لأجل اختلاط ما يسيل من دم الطمث بالمني الذي يدخل إلى تجويف هذا العضو بالإنزال ولو كان سيلان هذا الدم دائماً في أو قات بينها مدة طويلة لكان الجنين إلى أن يأتيه دم الطمث يجف لعدم الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون سيلان هذا الدم إلى هذا العضو في حال الحمل مستمراً وقليلاً قليلاً على القدر الذي يحتاج إليه الجنين أو قريب من ذلك القدر وأما في حال عدم ذلك الحمل فيكون سيلان هذا الدم بعد مدد متباعدة ويكون السائل بقدر كثير ليقوم بنقاء البدن مع طول مدة الظهر التي يجود معها الحمل‏.‏

ورابعها‏:‏ أن هذا العضو لا بد من أن يكون موضوعاً بين أعضاء لينة حتى إذا عظم الجنين وزاحم تلك الأعضاء لم يتضرر بصلابتها فلذلك وضع هذا العضو بين المثانة والأمعاء إذا ليس في الأعضاء السفلية من الأحشاء ما هو لين يتحمل تمديد الجنين إذا عظم سوى هذين العضوين‏.‏

وخامسها‏:‏ أن هذا العضو لا بد وأن يكون بقدر يتسع تجويفه للجنين إذا عظم فإنما يمكن ذلك إذا كان مقداره عظيماً وكذلك لابد من أن يكون له منفذ إلى خارج ليخرج منه دم الطمث وليدخل فيه المني إلى داخله ولابد من أن يكون هذا المنفذ ليس بقصير جداً فيكون هذا العضو بقرب الهواء الخارجي ولا بطويل جداً فيه فلا يسهل نفوذ المني فيه إلى داخل ذلك العضو غلا في مدة لها طول فيفسد مزاجه ويخرج بذلك عن الصلوح للتوليد‏.‏

وهذا العضو هو الرحم وهذا المنفذ هو عنقه وإنما يمكن دخول المني فيه إلى داخل الرحم بإيلاج القضيب فيه‏.‏

فلذلك لا بد من أن يكون مع ذلك شديد القبول للتمدد والاتساع ليمكن خروج الطفل منه عند الولادة فلذلك لا يمكن أن يكون جرمه شديد الصلابة كالعظم ونحوه ولا يمكن أيضاً شديد اللين كاللحم وإلا لكان ينحرق عند شدة تمدده ليتسع لخروج الطفل ولا بد من أن يكون مع ذلك آخذاً من الرحم إلى اسفل ليكون خروج ما يخرج منه من الأشياء التي لها ثفل أسهل‏.‏

قوله‏:‏ هي الرحم وهي في أصل الخلقة مشاكلة لآلة التوليد التي للذكران وهي الذكر وما معه‏.‏

إن الفاضل أبقراط يطلق لفظ الرحم تارة على العضو الذي يتكون الجنين فيه وهو الذي ذكرنا حاله قبل وهذا العضو هو آلة التوليد في الإناث وتارة على عنق هذا العضو وهو المجرى الذي يخرج منه الحيض ويدخل فيه القضيب وهذا هو الذي يشاكل الذكر في الذكران ويشبه ذكراً مقلوباً‏.‏

قوله‏:‏ وكأن الصفن صفاق الرحم‏.‏

يريد بالرحم ها هنا العضو الذي يتكون فيه الجنين ومشابهته للصفن هو أنه كيس يحتوي على شيء في داخله لكن الذي في داخل الصفن البيضتان والذي في داخل الرحم الجنين‏.‏

وإنما كانت البيضتان في الرجال خارجتين عن البدن محصورتين في الكيس الذي هو الصفن وأما في النساء فإنهما مدفونتان في الفرج كل واحدة في جانب لأن الحال لو لم يكن كذلك تعذر الإحبال وذلك لأن الإحبال إنما يتم بأن يكون إنزال الرجال مع إنزال المرأة أو يقرب زمانه جداً ولولا أن بيضتي الرجال مخالفة لبيضتي النساء بما ذكرناه لتعذر اتفاق الإنزالين في وقت واحد وذلك لأن مني الرجال حار المزاج حاد يسيل بأدنى شهوة ويخرج سريعاً ومني المرأة بخلاف ذلك لأنه كثير المائية قليل الحرارة جداً فلولا بعد بيضتي الرجال وبروزهما لما كان إنزاله يتأخر إلى حين إنزال المرأة‏.‏

ولولا اندفان بيضتي النساء وتسخنهما بحرارة باطن البدن لما كان إنزالهن يتقدم حتى يوافي إنزال الرجال‏.‏

قوله‏:‏ ثم ينثني هابطاً متعرجاً مؤرباً ذا التفافات يتم بها نضج المني السبب في تعريج أو عية المني في الرجال وذلك بعد تصعدها إلى الاتصال بالمجرى الذي في أصل الذكر هو أن تكون هذه الأوعية قابلة للتمدد والزيادة في الطول‏.‏

وذلك بأن تقرب من الاستقامة والغرض بذلك أن يستعجل انتشار القضيب ولا تمانعه عن ذلك تلك الأوعية لو كانت مستقيمة وأما أن هذا التعريج لأجل إتمام إنضاج المني فذلك مما لا يصح فإن المني يتم في الأنثيين وبقاؤه في هذا التعريج ليس مما يطول حتى يستفيد بذلك زيادة نضج بل يندفع منها بسرعة لئلا يفسد مزاجه بطول زمان نفوذه وهذا كما قلناه في تعريج مجرى البول‏.‏

وقوله‏:‏ من الجانبين يريد أن أو عية المني تنفذ من البيضتين وكل واحدة منهما في جانب فتكون هذه الأوعية كذلك وإذا نفذت إلى أصل القضيب اتصلا بمجرى المني عند أصل القضيب وذلك المجرى واحد فلذلك يتصلان بهذا المجرى من جانبيه‏.‏

قوله‏:‏ وأما في النساء فيميل من البيضتين إلى الخاصرتين كالقرنين‏.‏

يريد أن أو عية المني في النساء تميل من البيضتين إلى الخاصرتين وبيان هذا أن مني النساء ينصب في عنق الرحم من ثقبين متقابلين‏:‏ أحدهما من جهة اليمين والآخر من جهة اليسار وذلك لأن هذين الوعائين يتصلان بالبيضتين أحدهما بالبيضة اليمنى وهو الذي في الجانب الأيمن والآخر من الجانب الأيسر ويتصل بالبيضة اليسرى وكل واحد من هذين يأخذ مرتفعاً مع ميل إلى الخاصرة التي في جهته ثم ينحرف راجعا إلى الوسط فيفضي إلى عنق الرحم فيكون كل واحد من هذين الوعاءين معوجاً كالقرن لأنه يكون كقطعة صغيرة من دائرة عظيمة وإنما جعل كذلك ولم ينفذ كل منهما على الاستقامة لأن النساء يعرض لهن عند الجماع أن يمتد منهن عنق الرحم ويبرز جانبا فروجهن‏.‏

ولو كان هذان الوعاءان مستقيمين لما أمكن ذلك وإنما كان انعواجهما إلى جهة الخاصرتين لا إلى قدام وخلف ولا إلى جهة الوسط لأن هذه الجهات جميعها ليس فيها ما يتسع لهذا الانعواج وعند الجماع إذا تمدد عنق الرحم والفرج لزم ذلك تمدد كل واحد من هذين القرنين وانجذب طرفا كل واحد منهما ويلزم ذلك أن يجذبا عنق الرحم إلى الجانبين لأن كل واحد منهما يجذبه إلى جانبه ويلزم ذلك اتساعه فيجود قبوله المني ونفوذه فيه إلى داخل الرحم‏.‏

قوله‏:‏ وطولها المعتدل في النساء ما بين ست أصابع إلى إحدى عشر إصبعاً يريد بذلك طول العنق لا طول الرحم ولذلك قال‏:‏ وقد يقصر ويطول باستعمال الجماع وتركه‏.‏

والذي هو كذلك هو عنق الرحم لا الرحم بعينه‏.‏

قوله‏:‏ يزيدها السمن صلابة وتقصر‏.‏

أراد بذلك أن السمن يزاحم لحم العنق فبضيق ويكثر ممانعته حينئذ للقضيب عن الدخول فيظن لذلك أنه صلب‏.‏ وفي الحقيقة فإنه لين لأن زيادة السمن توجب زيادة الرطوبة والتليين‏.‏

قوله‏:‏ وهو أقرب إلى فم الرحم مما يلي أعاليه يريد بفم الرحم هاهنا فم عنقه لأنه طرف مجرى البول في الفرج قريب جداً من فم عنق الرحم وهو مع قربه من هذا العنق فهو فوقه لأن المثانة فوق الرحم فلا بد من أن يكون مجراها فوق مجرى الرحم أي عنقه‏.‏

قوله‏:‏ وقبل افتضاض الجارية يكون في رقبة الرحم أغشية إن المقصود بهذه الأغشية ليس أن تسد فم العنق في زمن الصغر كما يظنون بل الغرض بها أن تكون البيضتان في النساء كما هو في الرجال أعني في كيس واحد وإنما يمكن ذلك بأن يكون ذلك الكيس ماراً على رقبة الرحم فلذلك يسده وينبغي أن يكون هذا الغشاء رقيقاً جداً ليسهل انخراقه بالجماع ليمكن الإيلاج والعروق التي في هذا الغشاء هي العروق التي في صفن الرجل‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تولد الجنين

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إذا اشتملت الرحم على المني‏.‏

إلى قوله‏:‏ وإذا ولد لم يحصل النوم‏.‏

الشرح كل جسم طبيعي فإن تحققه إنما يكون محصول صورته النوعية إذا حصلت لتلك المادة استعداد لقبول تلك الصورة وإنما يكون ذلك إذا حصل لتلك المادة الكيفية التي بها يكون ذلك الاستعداد أعني الاستعداد لقبول تلك النفس وإنما يحصل ذلك لتلك المادة بأن يكون بكيفية بعدها لتلك النفس وذلك لأن المادة بذاتها قابلة لجميع الصور وجميع النفوس واجتماع صور كثيرة فيها أو نفوس كثيرة محال فلا بد في قبول بعض أي في قبول أن يحصل للمادة صورة معينة دون غيرها ويتعلق بها نفس بعينها دون غيرها من أمور تقتضي ذلك فلذلك المادة إذا سخنت بإفراط تعذر عليها في أن تتصور بصورة الماء وكانت صورة النار بها أولى فلذلك يقال إن هذه المادة مستعدة للصورة النارية وإنها غير مستعدة للصورة المائية وكذلك المادة إذا بردت استعدت للصورة المائية ولم تستعد للصورة النارية وكذلك إذا كانت المادة خارجة جداً عن الاعتدال الحقيقي لم تكن مستعدة لتعلق النفس الإنسانية بها البتة وكانت مستعدة للتعلق بنفس أخرى أو غير مستعدة للتعلق بنس البتة فلذلك المعد لحصول صورة معينة أو للتعلق بنفس معينة إنما يكون لكيفية تقتضي للمادة ذلك فلذلك مهما حصلت تلك الكيفية لمادة ما أعدتها لحصول الصورة المناسبة لها وللتعلق بالنفس المناسبة لها والله تعالى لكرمه لا يمنع مستحقاً مستحقه فلذلك يعطي كل مادة ما تستعد له من الصور والنفوس فلذلك إذا اجتمع المنيان في الرحم واختلطا وحصل من اختلاطهما مزاج إنساني استعد ذلك الممتزج من المنيين لقبول صورة الإنسان والتعلق بنفس إنسانية وحصل له من ذلك من الله تعالى‏.‏

وسبب هذا الامتزاج أن الرحم بطبعه شديد الاشتياق إلى مني الرجل حتى إنه يحصل له عند الجماع أن يعرض له الارتعاد ويتحرك إلى البروز للتوصل إلى مني الرجل لو لا الأربطة المانعة من البروز فإذا كان كذلك فهولا محالة يشتد جذبه لما حصل في داخله من مني الرجل‏.‏

وإذا لاقى هذا المني جرم الرحم التذ به لا محالة كثيراً جداً بما فيه من السخونة والإدفاء المعتدلين وصار ذلك كماء معتدل السخونة صب على بدن قد برد ومع هذا الالتذاذ الشديد لا بد من أن يحدث له تألم بما يحدثه ذلك المني بحدته من اللذع وتفريق اتصال جرم الرحم فتختلط تلك اللذة الشديدة بهذا الألم فيشتاق لذلك الرحم إلى ما يزيل ذلك السبب المؤلم ومني المرأة رطب قليل الحرارة فلذلك يحتاج جرم الرحم إلى جذبه لدفع ذلك الألم فينجذب المنيان إلى سطح الرحم ويلزم ذلك شدة اختلاطها وجميع الأجسام التي في هذا العالم المختلفة الطبائع يحدث لها لا محالة تفاعل يؤدي إلى كيفية متوسطة بين تلك الطبائع المختلفة‏.‏

وتلك الكيفية تسمى مزاجاً فلذلك لا بد من حدوث هذا المزاج عن اختلاط المنيين فيكون هذا المزاج قريباً جداً من الاعتدال لأجل تكافؤ قوى المنين في الخروج عن الاعتدال‏.‏

فلذلك يستعد المركب حينئذٍ منهما لحصول صورة إنسانية وللتعلق بنفس إنسانية وإنما تنتع النفس بذلك إذا صار بدناً‏.‏

فلذلك تحتاج تلك النفس الجاذبة إلى تكميل ذلك المجتمع من المنيين وذلك بأن يصير بدناً إنسانياً وإنا يمكن ذلك لقوى تحدث له فيفعل فيه ذلك وهو في تلك الحال غير قابل لجميع القوى التي للإنسان فلذلك تقبض عليه من القوى ما يمكن قبولها أو لاً وتلك هي القوة الحيوانية فإن جميع أفعال الإنسان وقواه موقوفة على الحياة‏.‏

والقوة الحيوانية إنما تقوم بروح حيواني فلذلك يحتاج هذا الممتزج أن يحدث فيه أو لاً روح حيواني وحدوث هذا الروح أسهل لا محالة من حدوث الأعضاء‏.‏

فلذلك يحدث له أو لاً هذا الروح وذلك بأن يتبخر من ذلك المني لأجل تسخنه في الرحم أبخرة لطيفة وتلك الأبخرة هي لا محالة من أجزاء دموية قد كمل نضجها وتلطفت بالحرارة فلذلك هذه الأجزاء البخارية تخالط ما يكون في الرحم من الهواء الواصل بعضه من عنق الرحم بعضه من الشرايين النافذة في جرم الرحم ويحدث من اختلاط ذلك جرم شديد الاستعداد للاستحالة إلى جوهر الروح فإذا نفذ من أرواح الأم شيء إلى داخل الرحم من أفواه الشرايين النافذة فيه أحاله ذلك الجرم روحاً‏.‏

وتلك الروح يتصور بالقوى الحيوانية فلذلك يحدث لهذا المني أو لاً قوة حيوانية قائمة بروح حيواني وهذه القوة والروح محال أن يضيعا حينئذٍ وأن يتركا منيين في فضاء الرحم بل لا بد من نفوذهما حينئذٍ إلى داخل ذلك المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يجولا في وسطه فلا بد من أن يحدث لهما حينئذٍ مكان ينحصران فيه فلذلك يحدث لهما في المني تجويف ينحصران فيه وذلك التجويف إذا تم خلقته بعد ذلك الوقت كان هو البطن‏.‏

وذلك المنفذ لا بد من تصلبه بتدافع أجزاءه عند نفوذ ما ينفذ فيه والحرارة هناك تزيده انعقاداً فيكون من ذلك السرة فلذلك السرة أو ل عضويتم فيه تكونه وتجويف القلب أو ل عضو يحدث في المني لكن صلابة جرم القلب تمنع من سرعة تكونه فلذلك تمام تكون السرة يسبق تمام تكون القلب وتجويف القلب يسبق حدوث السرة لأنها إنما تحدث بعد احتياج الروح المحوية في تجويف القلب إلى نفوذ الهواء إليه‏.‏

والمنفذ الذي تكون فيه السرة ثم بعد أن يصير الجنين حياً مغتذياً يحتاج أن يصير مع ذلك حساساً متحركاً بالإرادة وإنما يمكن ذلك بتعدل القوة الحيوانية حتى يمكن صدور تلك الإرادة عنها وإنما يمكن ذلك بعضو بارد ورطب فإن هذه الروح حارة قليلة الرطوبة الندية فإنما يعتدل بعضو هو كذلك وهذا العضو البارد الرطب هو الدماغ على ما بيناه في موضعه فلذلك يحتاج الجنين أن يتكون له الدماغ وابتداء تكونه وإن كان متأخراً فإن تمامه يتقدم تمام تكون القلب وذلك لأن الرطوبة أقبل للانفعال والتخلق من غيرها فلذلك تمام تكون الدماغ يظهر في الجنين قبل تمام تخلق القلب ثم الدم الواصل إلى الجنين من بدن الأم يحتاج إلى أن يستحيل إلى مشابهة مزاج الجنين ومشابهة جوهر أعضائه والعضو الذي يتم فيه تكون الدم الغاذي للبدن هو الكبد فلذلك يحتاج الجنين إلى أن يتكون الكبد لأجل إصلاح ما يرد إليه من بدن الأم فإن ذلك الوارد لحدته ويبوسته لا يصلح لغذاء الجنين ما لم يتعدل وينصلح مزاجه في الكبد فلذلك يتكون الكبد وربما سبق أيضاً تمام تكونها لتمام تكون القلب لأنها عضو رطب بخلاف القلب‏.‏

وقبل هذه الأحوال جميعها لا بد من أن يكون الغشاء الأول الذي يسمى المشيمة وذلك لان وصول الروح والدم إلى داخل المني إنما هو من العروق التي في هذا الغشاء‏.‏

وكيفية تكونه أن المني عند أو ل وروده إلى داخل الرحم لا بد أن يتسخن بحرارة باطن الرحم‏.‏

وهذه الحرارة لا بد من أن ينبسط جرمه فيزداد حجمه‏.‏

والغشاء الباطن من غشاءي الرحم لا بد من اشتماله على ذلك المني فلذلك لا بد للمني حينئذٍ أن يلاقي ذلك السطح وقوام المني لزج وكل لزج لاقى سطحاً حاراً فلا بد من انعقاد ظاهر ذلك الجسم بحرارة ذلك السطح ويلزم ذلك أن يحدث في ظاهر المني جرم غشائي وفي الغشاء الباطن من غشاءي الرحم عروق كثيرة ساخنة وضاربة من أفواه تلك العروق تقضي إلى داخل الرحم لأن من هذه العروق ينفذ دم الطمث ويرتفع ما يرتفع من فضل المادة التي تفضل من غذاء الجنين إلى الثديين فيحدث منهما اللبن وكذلك الأرواح والنسيم الواردان إلى الرحم إنما يردان إليه من هذه الأفواه التي للشرايين وهذه الأفواه لأنها أطراف العروق تكون لا محالة صلبة خشنة وكذلك إذا ماس المني باطن الغشاء الثاني من غشاءي الرحم وهو الداخل فلا بد من أن يلتصق بهذه الأفواه ما يلاقيها من جرم المني فيتعلق لا محالة بها وإذا تفشش ما في المني من الجرم المخلخل لجرمه الباسط له عاد المني إلى حجمه الأول فنزل بذلك عن مماسته جرم هذا الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وبقيت الأجزاء الملتصقة بتلك الأفواه ملازمة لها فامتد من تلك الأجزاء خيوطاً متصلة من تلك الأفواه إلى الغشاء الحادث على سطح المني وبعض هذه الخيوط يتصل بأفواه الأوردة وبعضها يتصل بأفواه الشرايين فإذا نزل الدم من الأوردة ونزلت الروح من الشرايين نفذ كل واحد منهما في الخيوط المتصلة بأفواه عروقه فلذلك ينفذ الدم في الخيوط المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وتنفذ الروح في الخيوط المتصلة بشرايين الرحم فلذلك تصير تلك الخيوط مجوفة كأنها وصلات لأوردة الدم وشرايينها وتتحد التي ينفذ فيها الدم فيصير غرقاً واحداً ينفذ في السرة في كبد الجنين لأجل تغذيته وتتحد التي فيها الروح فتصير عرقاً وواحداً ينفذ في السرة إلى تجويف قلب الجنين لأجل إفادة الروح وتعديلها بالنسيم ثم بعد ذلك يعرض للمني أن يتسخن كرة أخرى ويربو ويتخلخل حتى يلاقي الغشاء الداخل فيلزم ذلك أن يعرض لتلك الخيوط التي صارت عروقاً انعطافات على الغشاء الداخل على سطح المني لأجل لزوجة المني تلتصق تلك العروق المنعطفة بذلك الغشاء فإذا تخللت الحرارة من ذلك المني كرة أخرى وضمر وصغر حجمه عاد كرة أخرى نازلاً من ملاقاة الغشاء الداخل من غشاءي الرحم ويلزم ذلك تمدد ما بقي من تلك العروق غير منعطف فإذا عاد المني بعد ذلك إلى التسخين والتخلخل وارتفع إلى ملاقاة الغشاء الداخل عرض لتلك العروق الممتدة انعطافات كثيرة أخرى ولصق بالغشاء الحادث على سطح المني كما عرض أو لاً ثم إذا عاد المني إلى تجمعه كرة أخرى وامتد ما بقي منها غير منعطف ولا يزال الأمر كذلك حتى تكثر تلك العروق الملتفة جداً وحينئذٍ إذا تسخن المني وتخلخل حتى لاقى جرم الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وينخرق نه أجزاء منوية فلاقت ذلك الغشاء حدث من تلك الأجزاء غشاء آخر فوق تلك العروق تحفظ أو ضاعها فلذلك تبقى تلك العروق الكثيرة كلها بين هذين الغشاءين وجملة ذلك يقال له المشيمة ومن هذه المشيمة يكون غذاء الجنين ووصول الروح والنسيم إلى بدنه ثم بعد ذلك يحدث للجنين غشاءان آخران أحدهما في الشهر الثاني وثانيهما في الشهر الثالث‏.‏وسنتكلم فيهما فيما بعد‏.‏

قوله‏:‏ زبدية المني هو من فعل القوة المصورة والحقيقة في حال تلك الزبدية تحريك من القوة المصورة لما في المني من الروح النفساني والطبيعي والحيواني إلى معدن كل واحد منه‏.‏

أما حدوث الزبدية في المني عند حصوله في الرحم فذلك لأجل تسخنه بحرارة باطن البدن وأما أن ذلك من فعل القوة المصورة‏.‏

إنما هو إفادة الصورة وإحداث الزبدية ينافي ذلك وعندهم إن هذه القوة يستفيدها المني من الأنثيين وأنها من قوى نفس الأب على رأيي ومن قوى نفس الأبوين على رأي جالينوس‏.‏

وأن الأنثيين عضو رئيس لأجل إعطائه هذه القوة‏.‏

والقوة المولدة ونحن قد بينا فيما سلف بطلان هذا الكلام وأن المني ليس فيه شيء من القوى وإنما هو مادة يتكون منها البدن وما يحدث فيه من القوى الغاذية والمصورة ونحو ذلك فإنما هو من قوى النفس الحادثة وهي المتعلقة بذلك المني ليتكون منه الشخص الحادث وليس في المني عندنا روح نفساني وطبيعي وحيواني بل هو رطوبات اجتمعت وحدث لها الحرارة المنضجة غليان أو جب لها زبدية وبتلك الزبدية يبيض لو نه ويغلظ قوامه غلظاً غير حقيقي وإذا برد وزالت منه الزبدية رق قوامه وليس للقوى الطبيعية عندنا روح ولا هي أيضاً مستفادة من الكبد ولا الكبد عندنا عضو رئيس وكل ذلك قد بيناه فيما سلف وليس يوجد عندنا في المني نفخ يمتلأ من روح إلا النفخ الذي يصير فيه الروح الحيواني الذي يحدث من المني في الرحم ويصير ذلك النفخ تجويفاً للقلب كما قلناه‏.‏

قوله‏:‏ وإنما يغتذي هذا الجنين بهذا الغشاء ما دام الغشاء رقيقاً وكانت الحاجة إلى قليل من الغذاء‏.‏

وأما إذا صلب فيكون من الاغتذاء إنما يتولد في مسامه من منافذ الغشاء الذي يتولد في الجنين أو لا وهو الغشاء المشيمي واغتذاء الجنين هو من ذلك الغشاء ما دام جنينا لأن هذا الغشاء يحتوي على عروق كثيرة بعضها يتصل بالأوردة النافذة إلى الرحم فتكون في هذه العروق الدم ومن ذلك يغتذي الجنين بأن ينفذ في عروق تتكون من تلك العروق نافذاً إلى كبد الجنين من سرته وبعض تلك العروق يتصل بالشرايين النافذة إلى الرحم وفي تلك العروق أرواح ونسيم نافذان إليها من تلك الشرايين وهذه العروق يتحد منها عرق واحد ينفذ بالروح والنسيم إلى قلب الجنين من سرته‏.‏

وأما أن الجنين يغتذي من مسامه فذلك مما لا يصح البتة‏.‏

قوله‏:‏ إنه يحكى عن أبقراط أنه قال‏:‏ أو ل عضو يتكون هو الدماغ والعينان هذا الكلام إن صح عن أبقراط فالمراد به أن الدماغ أو ل عضو من الأعضاء الرئيسية يتم تكونه‏.‏

أقول‏:‏ إن الصواب أن يكون أو ل عضو ينخلق هو الكبد لا شك أن أو ل قوة تحدث في المني بعد القوة الحيوانية هي قوة الغذاء وهذا لا يلزمه أن يكون الكبد يتكون أو لاً‏.‏

ولأنها يتكون أو لاً قبلها سوى القلب من الأعضاء وذلك لأن القوى الطبيعة جميعها عندنا تجذب الأعضاء بذواتها لا بإعطاء الكبد لها‏.‏وقد حققنا هذا من قبل‏.‏

والدم الذي يغتذي به الجنين ليس يلزم أن يكون متولداً في بدنه فضلاً عن أن يكون من الكبد بل ذلك الدم يأتي إليه من بدن الأم فلذلك وجوب تقدم الكبد في التكون ليس بلازم ولا أيضاً وجوب تقدمها على ما سوى القلب فإن السرة تكون قبلها وكذلك الدماغ لأن حاجة الجنين إلى الكبد لا لأجل إصلاح الدم الآتي إليه من الدم وإن كانت متقدمة على الحاجة إلى الدماغ لكن يكون الدماغ أسرع لأجل زيادة رطوبة مادته‏.‏

وها هنا بحث لا بد من تحقيق الكلام فيه وهو أن لقائل أن يقول‏:‏ إن المني إذا اجتمع في الرحم يشاهد في داخله نقطة حمراء تشتد ظهورا كلما تحرك ذلك الموضع وذلك الشيء الأحمر لا بد من أن يكون دماً ويلزم من هذا أحد أمرين‏:‏ إما أن يكون الدم في القلب وأنتم لا تقولون بذلك وإما أن يكون في الكبد أو لاً لأن يكون الدم إذا لم يكن في القلب فلا بد أن يكون في الكبد وتكونه في الكبد متأخراً لا محالة عن تكون الكبد وعن مشاهدة هذه النقطة الحمراء في وسط المني لا يكون القلب قد تكون فيلزم ذلك أن يكون تكون الكبد قبل تكون القلب بكثير ويلزم ذلك أن يكون تكونها قبل تكون الأعضاء الأخر جميعها والجواب عن هذا‏:‏ إن تلك النقطة مسلم أنها من الدم ولكن ذلك الدم لا يلزم أن يكون متكوناً لا في القلب ولا في عضو آخر أعني من أعضاء الجنين وذلك لأن أصل المني كما علمت هو المتصعد بالحرارة إلى الدماغ‏.‏

وهذا المتصعد لا يلزم أن يكون جميعه من الرطوبات المائية لأن الحرارة تصعد كل رطوبة تجذبها ولذلك لا بد من أن يكون المني مخالطاً لكثير من المائية وهي التي يتصعد بتلك الحرارة ولا بد أيضاً من أن يكون مخالطاً لشيء من الدم وهو الذي يتصعد بسبب تلك الحرارة المصعدة للرطوبة الثانية أيضاً‏.‏

لكن هذا الدم يسير جداً لأن الدم محصور في العروق وهي كيفية الأجرام فلا يتمكن ما فيها من الدم من التصعد بالحرارة فلذلك إنما يتصعد منه شيء يسير جداً وذلك اليسير ما دام منبثاً في جرم المني يكون مختلطاً به فلا يتميز للحس فإذا استقر المني في الرحم فمن شأنه أن يجتمع كل جزء فيه مع جنسه فلذلك تجتمع الأجزاء المتبخرة من غذاء العظم بعضها إلى بعض وكذلك الأجزاء المتبخرة من غذاء العصب ونحو ذلك وكذلك الأجزاء الدموية تجتمع لا محالة بعضها إلى بعض فيصير من الجملة قدر محسوس وهذا لابد من أن يكون في مكان ما من المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يكون في وسطه لأن ذلك الموضع متميز عن غيره ونسبة إلى الأطراف جميعها على السواء فلذلك يجب أن يكون هذا الدم في وسط المني وليس موضع أولى به أيضاً من آخر فلذلك يجب أيضاً أن يكون في وسط المني فلذلك الدم والروح يجب أن يكونا في وسط المني وذلك بأنه يحدث نفخة يكونان فيها وتلك النفخة إذا تم تكونها كانت في تجويف القلب كما بيناه فلذلك الدم المجتمع في المني لا بد من أن يكون أو لاً في تجويف القلب ولا يلزم ذلك أن يكون الدم يتكون في القلب ولا أن يكون تكون الكبد متقدماً على تكون القلب وأما أن تلك النقطة الحمراء يشتد ظهورها كلما تحرك الموضع الذي هي في داخله فذلك لأن حركة ذلك الموضع هي حركته في الانبساط فإنا قد بينا النفاخة التي تكون فيها الروح وهي التي تصير تجويفاً للقلب لا بد من أن تكون متحركة حركة انبساط وانقباض وإذا انبسطت بتخلخل جرمها فكانت الرؤية تلك النقطة أسهل وأوضح‏.‏

قوله‏:‏ والحال الأخرى ظهور النقطة الدموية في الصفاق وامتدادها في الصفاق هذه النقطة الدموية ليست تظهر في الصفاق بل في داخل المني وذلك في النفخة التي تصير تجويفاً للقلب كما قلناه والظاهر أن الغلط في هذا أو قع من الغلط في فهم كلام الفاضل أبقراط وذلك لأنه قال‏:‏ كما أنه إذا قشر الإنسان قشر البيض الأعلى يرى شبه الحجاب الرقيق على رطوبة البيض‏.‏

كذلك كان على ذلك المني حجاب رقيق وكان داخله مدوراً أحمر يتحرك فإذا تحرك ظهرت الحمرة التي فيه‏.‏

وهذا الكلام ذكر في كتاب الأجنة في صفة مني سقط من امرأة بعد ستة أيام ومن الصفات التي ذكرت لذلك المني أنه كان عليه غشاء رقيق وكان يظهر في داخله أي في داخل المني شيء أحمر مدور يتحرك أي يتحرك أنبساطاً وانقباضاً وإذا تحرك ظهرت الحمرة التي فيه وظهور هذه الحمرة بأكثر مما كان ليس في مطلق الحركة بل في حركة الانبساط وذلك لأن الموضع إذا انبسط تخلخل فكانت رؤية ما فيه من الحمرة أشد هذا هو معنى هذا الكلام لا أن تلك الحمرة كانت في الحجاب أي في الغشاء المجلل للمني و الظاهر أن الذي أو جب فهم ما في الكتاب من كلام الفاضل أبقراط أنه ظن أن الضمير في قوله‏:‏ وكان داخله مدوراً أحمر يعود إلى الحجاب الرقيق وهذا لا يصح فإن الذي في داخل الحجاب هو جملة المني ولون المني ليس بأحمر‏.‏

قوله‏:‏ فهي في الإناث أبطأ تكون الأنثى أبطأ من تكون الذكر ولذلك تكون أجزائها أبطأ من تكون أجزاء الذكر وأما النمو فهو في الإناث أسرع فلذلك تأخر كمال الرجال وبلوغهم عن كمال النساء وبلوغهن وذلك لأن العمدة في سرعة التكون هو قوة العاقد وهو الحرارة وهي في الذكور أقوى فلذلك تكونهم أسرع وإنما كان كذلك لأن نقصان رطوبة المني المذكر يعين على سرعة الانعقاد فإن عقد الحرارة هو بتجفيف الرطوبة ليستحيل أرضية وذلك يعين على نقصان الرطوبة‏.‏

وأما النمو فإن سرعته إنما هي لزيادة قبول المادة للتمدد والانبساط وذلك إنما يكون بالرطوبة وهي في النساء الجواري أكثر مما في الصبيان لا محالة وليست حرارة الجواري تقصر عن إحالة الغذاء بقدر يكفي النمو الكثير فلذلك أسرع نمواً من الصبيان‏.‏

قوله‏:‏ وهو الخامس عشر من العلوق ينفذ الدموية التي في الجميع فيصير علقة‏.‏

حصول هذه الدموية ليس لأن المني يستحيل دماً فإن ذلك مما لا يمكن بل لأن الدم الذي ينفذ فيه من الرحم ليس يقوي المني في أو ل الأمر على إحالته إلى طبيعته إحالة تامة فتبقى حمرته باقية ويصبغ المني فيصير كالدم‏.‏

قوله‏:‏ والأطراف عند الضلوع‏.‏ وهيئة الجنين أنه جالس على عقبه وعيناه على ظهر كفيه وهما على ركبيه وأنفه بين ركبتيه فلذلك تكون يداه ورجلاه لاصقة بأضلاعه وبطنه‏.‏

وفي المدة المذكورة ينفصل عنهما‏.‏

قوله‏:‏ والجنين تحيط به أغشية ثلاثة‏:‏ المشيمة‏.‏ وهذه المشيمة هي أو ل غشاء يحدث على المني‏.‏

وسبب حدوثها ما ذكرناه من تحرك المني تارة إلى ملاقاة جرم الرحم وذلك إذا إلى وانفتح‏.‏

وتارة إلى البعد عنه وذلك إذا تفشت حرارته وتكاثف جرمه وفائدة هذه المشيمة إيصال الدم والروح إلى بدن الجنين ليغتذي بالدم ويحيا بالروح وذلك بسبب ما في المشيمة من العروق الكثيرة المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وشرايينه وهي التي تعرف بالنقر وقد يسمى أنف الرحم بسبب أنه يستنشق منهما النسيم كما في الأنف وفائدة تدلي هذه العروق في المشيمة أن تطول مسافة نفوذ ما ينفذ فيها وزمان بقائه في تلك العروق فتكثر استحالته إلى مشابهة مزاج المني ثم ينفذ من هذه العروق الدم والروح من سرة الجنين إلى بدنه ويبتدئ الدم بالنفوذ إلى كبد الجنين ومنها إلى جميع أعضائه لتغذيتها وكذلك الروح يبتدئ في النفوذ إلى قلب الجنين ثم إلى بقية أعضائه لست أعني بذلك أعضاءه التي تكونت بلا أجزاء والتي تصير له أعضاء ومنافذ الدم تصير أو ردة ومنافذ الروح التي تصير شراييناً‏.‏

قوله‏:‏ والثاني يسمى بلاسي وهو اللفايفي وينصب إليه بول الجنين‏.‏

هذا الغشاء يحدث للجنين في الشهر الثاني وذلك لأن الجنين يبول من سرته وملاقاة البول لبشرته يؤذيها فلذلك احتيج أن يخلق له حينئذٍ هذا الغشاء ليحول بين البول وبين بشرته وإنما يتأخر هذا الغشاء إلى الشهر الثاني لأن بول الجنين إنما يكثر حتى يخشى من إضراره بشرة الجنين في هذه المدة وإما المادة التي يتكون منها هذا الغشاء فهي الفضلات التي تفضل من غذائه الواصل إليه من المشيمة وذلك لأن الجنين في الشهر الأول والثاني والثالث يكون ما يستعمله من الغذاء قليلاً لأجل صغره والواصل غليه من الرحم وهو على القدر الذي يصل إليه بعد ذلك فلا بد من أن يفضل عنه في هذه المدة فضول كثيرة ولذلك تكثر بالأم الأعراض الردية التي من شأنها أن تعرض للحوامل كالشهوة الفاسدة والنفرة عن اللحوم وثقل البدن والتكرب ونحو ذلك ومن هذه الفضول يتكون الغشاءان الحادثان وهما هذان الغشاءان والأخرى تحدث في الشهر الثالث‏.‏

قوله‏:‏ والثالث يقال له أنفس وهو يمتص العرق ولما كانت الفضول تكثر في الجنين في الشهور الأولى وجب أن يكون ما يندفع منها حينئذٍ أكثر والمندفع في البول أكثر لا محالة من المندفع في العرق فلذلك كانت الحاجة إلى الغشاء الموقي عن البول قبل الحاجة إلى الغشاء الموقي عن العرق متأخراً ولا شك أن عرق الجنين إذا كثر من ملاقاته للبشرة أن يلدغها ويرخيها فيحتاج لذلك إلى جرم يحول بينه وبين ذلك العرق وهذا الجرم لا بد وأن يكون غشائياً ليكون مع قوته مفرط الرقة فلا يزاحم الجنين ويضيق عليه المكان‏.‏

وقوله‏:‏ هذا الغشاء أيضاً هو من فضول الغذاء كما قلنا في الغشاء الحاوي للبول وليس يحتاج الجنين مع هذه الأغشية الثلاثة إلى غشاء رابع وذلك لأن حاجته إلى ذلك إما لأجل الغذاء والروح والنسيم وذلك قد قام به الغشاء المشيمي وإما لأجل الوقاية وذلك قد قام به هذان الغشاءان الآخران وجملة هذه الأغشية تفيد أيضاً في وقاية الجنين عن المصادمات والسقطات ونحو ذلك‏.‏

وليس للجنين براز حتى يحتاج إلى غشاء آخر وإنما كان كذلك لأن وصول الغذاء إليه إنا هو بالطبع وإنما يصل بذلك ما كان من الغذاء صالحاً صافياً خالياً من الفضول التي تحتاج إلى إخراجها بالبراز‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ ها هنا إشكالان أحدهما أن الغذاء الواصل إلى الجنين كما أنه يخلو من الفضول المحوجة إلى البراز وكذلك هو أيضاً يخلو من المائية الزائدة المحوجة إلى إخراجها بالبول فإن الحاجة إلى البول كما بينتموه أو لاً إنما هو زيادة المائية التي يحتاج إليها لتنفيذ المائية الغذاء في مجاري الكبد وتلك المائية زائدة عن القدر الكافي في الاغتذاء فلذلك إذا انفصل الغذاء من الكبد استغنى عن تلك المائية الزائدة فاحتيج إلى إخراجها بالبول وهذه المائية ليست مما يحتاج إليه الجنين لأن الغذاء إنما يصل إلى كبده بعد ترقيقه وانطباخه في بدن الأم وصيرورته دماً وإنما يحتاج حينئذٍ إلى فعل كبده فيه ليصلحه ويجعله شبيهاً بمزاج المني وذلك مما لا يحتاج فيه إلى مائية يحتاج إلى إخراجها بالبول فلذلك يجب أن يكون الجنين غير محتاج إلى البول كما هو غير محتاج إلى البراز فكما استغنى عن غشاء لأجل البراز وجب أن يستغني عن غشاء لأجل وثانيهما‏:‏ أن خلق غشاء لأجل البول يمكن وصوله إلى خارج ذلك الغشاء من السرة وأما العرق إذا خرج من المسام فإنه لا يجد طريقاً إلى خارج الغشاء الذي يقولون إنه مخلوق له فلا يتمكن من النفوذ إلى خارجه فلئن قلتم إنه يتمكن من ذلك بأن ينفذ من مسام ذلك الغشاء‏.‏

قلت‏:‏ هذا لا يصح من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ إن أمكن نفوذه أيضاً في غشاء البول ومخالطة العرق للبول مع توقيتهما عن ملاقاة بشرة الجنين مما لا ضرر فيه‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن هذا العرق كما انه ينفذ في مسام هذا الغشاء إلى خارجه كذلك أيضاً يتمكن من النفوذ في تلك المسام إلى داخله بعد ذلك بتلاقي بشرة الجنين فلا يكون لذلك الغشاء تأثير في توقية بشرة الجنين‏.‏

والجواب‏:‏ أما الإشكال الأول فإن الجنين يحتاج أن يكون غذاؤه كثير المائية أعني الدم الذي يأتي إليه لتغذيته يحتاج أن تكون مائيته كثيرة خاصة في أو ل الأمر وذلك لأن هذا الدم إذا تعدى عروق الأم يحتاج أو لاً أن ينفذ في الخيوط التي ذكرنا أنها تحدث من تشبث بعض أجزاء المني بالتقويم ابتداؤها وانعطافاتها على الغشاء الأول الذي تحتها وهو الغشاء الداخل من المشيمة وإنما يمكن نفوذه في هذه إذا كان قوامه شديد الرقة جداً وكان مع ذلك قوي النفوذ وذلك لأجل دفع الهواء النافذ معه له وإذا نفذ في هذه وأحدث فيها تجويف فلا بد من نفوذه بعد ذلك إلى داخل المني حتى يصل إلى كبد الجنين‏.‏

ثم بعد ذلك ينفذ في جوهر المني نفوذاً في مواضع كثيرة جداً متفرقة ومن مواضع كثيرة ونفوذ ذلك لا بد من أن يحدث ثقوباً وتلك الثقوب يحدث منها الأوردة وكذلك تحدث الشرايين للجنين من نفوذ الروح والنسيم في أجزاء بدنه وإحداثها الثقوب فيها فتصير الشرايين من تلك الثقوب وإذاً الدم النافذ إلى بدن الجنين يحتاج في تغذيته إلى ذلك فلا بد من أن يكون قوامه شديد الرقة جداً وإنما يكون الدم كذلك لأمرين‏:‏ إما مخالطة كثير من الصفراء وذلك يمنعه من التغذية خاصة للجنين الذي جوهره كثير الرطوبة وإما مخالطة كثيرة من المائية فلذلك يحتاج أن يكون هذا الدم كثير المائية جداً فلذلك في غالب الأمر يفضل من تلك المائية قدر كثير ويحتاج إلى إخراجه لئلا يفسد الغذاء وجوهر الجنين وليس يسهل خروج جميعه بالعرق فإن العرق إنما يكون من المائية المصاحبة للدم إلى ظاهر البدن وقد يكون بقاء تلك المائية في ذلك الدم إلى ذلك الموضع مما يفسد الدم ويفسد جوهر الجنين ولأن نفوذها إلى هناك إنما يتم بسعة كثرة من المجاري فهي في أو ل الأمر لا تتحمل ذلك فلذلك تحتاج هذه المائية الزائدة أن يندفع عن الجنين قبل وصولها إلى ظاهر أعضائه وإنما يمكن أن يكون ذلك بأن يندفع من منفذ ما إلى خارج وهذا المنفذ لا يمكن أن يكون من جهة المثانة والقضيب لأن قضيب الجنين ليس يمكن أن يكون له من الطول ما يصل به المائية إلى مكان بعيد حتى يتعدى جميع بدنه فلذلك تحتاج أكثر هذه المائية الزائدة أن تندفع من منفذ آخر وليس في الجنين منفذ إلى خارج سوى منفذ السرة فلذلك يجب أن يكون اندفاع أكثر المائية الزائدة هو من السرة وباقي تلك المائية يندفع من جهة العرق‏.‏

وأما الإشكال الثاني فإنه يجوز أن يكون العرق إنما يكثر في بدن الجنين قبل استحكام المجاري التي يخرج منها فإذا استحكمت تلك المجاري وكثر ما يخرج فيها من البول قل لذلك العرق جداً حتى لا يكون المتولد منه بعد ذلك له قدر يخشى من ملاقاته للجنين فإذا كان كذلك ففي الشهر الثالث يكون العرق قد كثر جداً وملأ الفضاء الذي بين الغشاء والجنين الذي فيه البول وحينئذٍ ولا بد من أن يترسب منه أجزاء خلطية قد اندفعت منه فإنه بعيد أن يكون الخارج بالعرق حينئذٍ ماء صرفاً وتلك الأجزاء الخلطية إذا رسبت إلى جهة ظاهر الجنين عرض لها هناك انعقاد بقوة الحرارة ويلزم ذلك تولد الغشاء منها وحينئذٍ يكون ذلك الغشاء موقياً لبشرة الجنين عند ذلك العرق القديم‏.‏

وأما ما يحدث بعد ذلك من العرق فإنه يكون قليلاً جداً لأجل اندفاع المائية الزائدة حينئذٍ بالبول فلا يبقى منها ما يكثر له العرق وإذا كان ذلك العرق قليلاً جداً لم يجتمع منه ما يؤذي بشرة الجنين لأن حرارة داخل الرحم تحلله أو لاً فأولاً فلا يجتمع منه قدر كثير فلذلك يكون هذا الغشاء نافعاً في توقية الجنين من حدة العرق الكثير مع أن الغشاء المتقدم لا يفي بذلك لأن نفوذ العرق في مسام الغشاء يمكن وإلا نفذ فيها البول وكانت ملاقاته للبشرة أشد إضراراً من ملاقاة العرق لها‏.‏

قوله‏:‏ وهو أقها ليكون مجمع الرطوبة الراشحة‏.‏

رقة هذا الغشاء لا ليكون يجمع هذه الرطوبة بل لأن هذه الرطوبة قليلة فلا يكون لها تمديد قوي يحس منه انفتاق الغشاء الحاوي لها فلذلك هذا الغشاء أرق أغشية الجنين وأغلظها الغشاء المشيمي وهو ذو طبقتين تحللها العروق المتلففة بينهما وأما الغشاء الآخر فهو كالمتوسط بين هذين لأنه يحتاج إلى الغلط ليقوى على مقاومته تمديد البول بكثرته‏.‏

قوله‏:‏ وبالحقيقة فإن هذا العرق إنما ينبت من الكبد ويتجه إلى السرة‏.‏

هذا كله لأجل المشهور‏:‏ وهو أن الأوردة كلها تنبت من الكبد‏.‏

وهذا شيء قد أبطلناه وبينا فساده فيما سلف بل هذه العروق جميعها تكون على الوجه الذي قلناه‏.‏

وذلك تتشبث أجزاء من المني بقعر الرحم ثم تمتد وتلتوي في المشيمة كما ذكرناه ثم يخرقها الدم النافذ فيها وينفذ ذلك الدم إلى السرة ثم إلى الكبد ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرق جميع ما يمر فيه ويصير ذلك كله أو ردة وكذلك يفعل الروح والنسيم ينفذان في الأجزاء الممتدة من المني المتشبثة بأفواه النقر الملتصقة في المشيمة فيخرقانها ثم ينفذان إلى السرة ثم إلى القلب ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرقان ما يمران فيه ويصير ذلك كله شرايين وليس شيء من ذلك بنابت من شيء من الأعضاء‏.‏

وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة وليس لها تعلق شديد بالتشريح فلذلك حذفنا الكلام فيها على وجه أبسط من هذا ونستقصي شرح ألفاظه ونحقق الكلام فيها ها هنا وسنعيد شرح هذا الفصل وغير ذلك إذا أخذنا شرح الكتاب الثالث من كتب القانون ونقول الآن إن قولنا في هذا الفصل وغيره في فن التشريح إن كذا انعقد بالحرارة وينخرق بنفوذ الدم والروح ونحو ذلك إنما هو ليفهم المتعلم وتقريب الأمر غليه في التصور‏.‏

وأما في الحقيقة فذلك إنما هو بإرادة من لا يعتريه سهو ولا يعجزه أمر وهو الله الخالق تعالى وحده عما يقول الظالمون والجاحدون والكافرون علواً كبيراً‏.‏ كمل ذلك ولله الحمد والمنّة ونسأله السّلامة في ديننا‏.‏

النسخة م‏:‏ آخره ولله الحمد والمنّة وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً كثيراً‏.‏

تمت في تاريخ شهر ذي القعدة الحرام بعد ما خلت ثمانية أيام في سنة تسع وثمانين بعد الألف القلب ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرقان ما يمران فيه ويصير ذلك كله شرايين وليس شيء من ذلك بنابت من شيء من الأعضاء‏.‏

وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة وليس لها تعلق شديد بالتشريح فلذلك حذفنا الكلام فيها على وجه أبسط من هذا ونستقصي شرح ألفاظه ونحقق الكلام فيها ها هنا وسنعيد شرح هذا الفصل وغير ذلك إذا أخذنا شرح الكتاب الثالث من كتب القانون ونقول الآن إن قولنا في هذا الفصل وغيره في فن التشريح إن كذا انعقد بالحرارة وينخرق بنفوذ الدم والروح ونحو ذلك إنما هو ليفهم المتعلم وتقريب الأمر غليه في التصور‏.‏

وأما في الحقيقة فذلك إنما هو بإرادة من لا يعتريه سهو ولا يعجزه أمر وهو الله الخالق تعالى وحده عما يقول الظالمون والجاحدون والكافرون علواً كبيراً‏.‏ كمل ذلك ولله الحمد والمنّة ونسأله السّلامة في ديننا‏.‏

النسخة م‏:‏ آخره ولله الحمد والمنّة وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً كثيراً‏.‏

تمت في تاريخ شهر ذي القعدة الحرام بعد ما خلت ثمانية أيام في سنة تسع وثمانين بعد الألف القلب ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرقان ما يمران فيه ويصير ذلك كله شرايين وليس شيء من ذلك بنابت من شيء من الأعضاء‏.‏

وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة وليس لها تعلق شديد بالتشريح فلذلك حذفنا الكلام فيها على وجه أبسط من هذا ونستقصي شرح ألفاظه ونحقق الكلام فيها ها هنا وسنعيد شرح هذا الفصل وغير ذلك إذا أخذنا شرح الكتاب الثالث من كتب القانون ونقول الآن إن قولنا في هذا الفصل وغيره في فن التشريح إن كذا انعقد بالحرارة وينخرق بنفوذ الدم والروح ونحو ذلك إنما هو ليفهم المتعلم وتقريب الأمر غليه في التصور‏.‏

وأما في الحقيقة فذلك إنما هو بإرادة من لا يعتريه سهو ولا يعجزه أمر وهو الله الخالق تعالى وحده عما يقول الظالمون والجاحدون والكافرون علواً كبيراً‏.‏

كمل ذلك ولله الحمد والمنّة ونسأله السّلامة في ديننا‏.‏

النسخة م‏:‏ آخره ولله الحمد والمنّة وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً كثيراً‏.‏

تمت في تاريخ شهر ذي القعدة الحرام بعد ما خلت ثمانية أيام في سنة تسع وثمانين بعد الألف النسخة ل‏:‏ تم وكمل ولله الحمد والمنة في الخامس والعشرين من شهر جمادى الأول سنة أربعين وستماية أحسن الله عاقبتها والحمد لله وحده‏.‏

يقول الدكتور الطبيب الأستاذ‏:‏ سلمان قطاية السوري الحلبي‏:‏ انتهيت من تحقيق ونسخ كتاب شرح التشريح لابن النفيس ليلة الاثنين المصادف 9 تشرين الثاني نوفمبر من عام واحد وثمانين وتسعمائة بعد الألف م وذلك في المهجر في داري الكائنة في 15 جادة ليون بلوم في مدينة ليفري غارغان وهي ضاحية من ضواحي باريس عاصمة فرنسا تم الكتاب والحمد لله‏.‏